بالاستحقاق بل هي فضل من الله فليس يستحق أحد على الله سبحانه شيئا لكنه سبحانه قضى على نفسه الهداية والرزق والإماتة والإحياء لكل ذي نفس ولم يقض المغفرة لكل ذي خطيئة فقال : « فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ » الذاريات : ٢٣ ، وقال : « كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ » الأنبياء : ٣٥ ، وقال : « إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا » يونس : ٤ ، وقال في المغفرة : « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ » النساء : ٤٨.
ونسبة الخطيئة إلى نفسه وهو عليهالسلام نبي معصوم من المعصية دليل على أن المراد بالخطيئة غير المعصية بمعنى مخالفة الأمر المولوي فإن للخطيئة والذنب مراتب تتقدر حسب حال العبد في عبوديته كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين وقد قال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآله : « وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ».
فالخطيئة من مثل إبراهيم عليهالسلام اشتغاله عن ذكر الله محضا بما تقتضيه ضروريات الحياة كالنوم والأكل والشرب ونحوها وإن كانت بنظر آخر طاعة منه عليهالسلام كيف؟ وقد نص تعالى على كونه عليهالسلام مخلصا لله لا يشاركه تعالى فيه شيء إذ قال : « إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ » ـ ص : ٤٦ ، وقد قدمنا كلاما له تعلق بهذا المقام في آخر الجزء السادس وفي قصص إبراهيم في الجزء السابع من الكتاب.
قوله تعالى : « رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » لما ذكر عليهالسلام نعم ربه المستمرة المتوالية المتراكمة عليه منذ خلق إلى ما لا نهاية له من أمد البقاء وصور بذلك شمول اللطف والحنان الإلهي أخذته جاذبة الرحمة الملتئمة بالفقر العبودي فدعته إلى إظهار الحاجة وبث المسألة فالتفت من الغيبة إلى الخطاب فسأل ما سأل.
فقوله : « رَبِ » أضاف الرب إلى نفسه بعد ما كان يصفه بما أنه رب العالمين إثارة للرحمة الإلهية وتهييجا للعناية الربانية لاستجابة دعائه ومسألته.
وقوله : « هَبْ لِي حُكْماً » يريد بالحكم ما تقدم في قول موسى عليهالسلام : « فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً » الآية ٢١ من السورة وهو ـ كما تقدم ـ إصابة النظر والرأي في المعارف الاعتقادية والعملية الكلية وتطبيق العمل عليها كما يشير إليه قوله تعالى : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ » الأنبياء : ٢٥ ، وهو