وحي المعارف الاعتقادية والعملية التي يجمعها التوحيد والتقوى ، وقوله تعالى : « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ » الأنبياء : ٧٣ ، وهو وحي التسديد والهداية إلى الصلاح في مقام العمل ، وتنكير الحكم لتفخيم أمره.
وقوله : « وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » الصلاح على ما ذكره الراغب ـ يقابل الفساد الذي هو تغير الشيء عن مقتضى طبعه الأصلي فصلاحه كونه على مقتضى الطبع الأصلي فيترتب عليه من الخير والنفع ما من شأنه أن يترتب عليه من غير أن يفسد فيحرم من آثاره الحسنة.
وإذ كان « بِالصَّالِحِينَ » غير مقيد بالعمل ونحوه فالمراد به الصالحون ذاتا لا عملا فحسب وإن كان صلاح الذات لا ينفك عنه صلاح العمل ، قال تعالى : « الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ » الأعراف : ٥٨.
فصلاح الذات كونها تامة الاستعداد لقبول الرحمة الإلهية وإفاضة كل خير وسعادة من شأنها أن تتلبس به من غير أن يقارنها ما يفسدها من اعتقاد باطل أو عمل سيئ وبذلك يتبين أن الصلاح الذاتي من لوازم موهبة الحكم بالمعنى الذي تقدم وإن كان الحكم أخص موردا من الصلاح وهو ظاهر.
فمسألته الإلحاق بالصالحين من لوازم مسألة موهبة الحكم وفروعها المترتبة عليها فيعود معنى قوله : « رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » إلى مثل قولنا : رب هب لي حكما وتمم أثره في وهو الصلاح الذاتي.
وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : « وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ » البقرة : ١٣٠ في الجزء الأول من الكتاب كلام له تعلق بهذا المقام.
قوله تعالى : « وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ » إضافة اللسان إلى الصدق لامية تفيد اختصاصه بالصدق بحيث لا يتكلم إلا به ، وظاهر جعل هذا اللسان له أن يكون مختصا به كلسانه لا يتكلم إلا بما في ضميره مما يتكلم هو به فيئول المعنى إلى مسألة أن يبعث الله في الآخرين من يقوم بدعوته ويدعو الناس إلى ملته وهي دين التوحيد.
فتكون الآية في معنى قوله في سورة الصافات بعد ذكر إبراهيم عليهالسلام : « وَتَرَكْنا