أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢) ).
( بيان )
تشير الآيات بعد الفراغ عن قصتي موسى وإبراهيم عليهالسلام وهما من أولي العزم إلى قصة نوح عليهالسلام وهو أول أولي العزم سادة الأنبياء ، وإجمال ما جرى بينه وبين قومه فلم يؤمن به أكثرهم فأغرقهم الله وأنجى نوحا ومن معه من المؤمنين.
قوله تعالى : « كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ » قال في المفردات : ، القوم جماعة الرجال في الأصل دون النساء ، ولذلك قال : « لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ » الآية ، قال الشاعر : أقوم آل حصن أم نساء ، وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا. انتهى.
ولفظ القوم قيل : مذكر وتأنيث الفعل المسند إليه بتأويل الجماعة وقيل : مؤنث وقال في المصباح : يذكر ويؤنث.
وعد القوم مكذبين للمرسلين مع أنهم لم يكذبوا إلا واحدا منهم وهو نوح عليهالسلام إنما هو من جهة أن دعوتهم واحدة وكلمتهم متفقة على التوحيد فيكون المكذب للواحد منهم مكذبا للجميع ولذا عد الله سبحانه الإيمان ببعض رسله دون بعض كفرا بالجميع قال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا » النساء : ١٥١.
وقيل : هو من قبيل قولهم فلان يركب الدواب ويلبس البرود وليس له إلا دابة واحدة وبردة واحدة فيكون الجمع كناية عن الجنس ، والأول أوجه ونظير الوجهين جار في قوله الآتي : « كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ » « كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ » وغيرهما.
قوله تعالى : « إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ » المراد بالأخ النسيب كقولهم : أخو تميم وأخو كليب والاستفهام للتوبيخ.