ومنهم من قال : إن تخصيص القلب بالإنزال لأن المعاني الروحانية تنزل أولا على الروح ثم تنتقل منها إلى القلب لما بينهما من التعلق ثم تنتقل منه إلى الدماغ فينتقش بها لوح المتخيلة.
ومنهم من قال : إن تخصيصه به للإشارة إلى كمال تعقله صلىاللهعليهوآله حيث لم يعتبر الوسائط من سمع وبصر وغيرهما.
ومنهم من قال : إن ذلك للإشارة إلى صلاح قلبه صلىاللهعليهوآله وتقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم به صلاح سائر أجزائه وأعضائه فإن القلب رئيس سائر الأعضاء وملكها وإذا صلح الملك صلحت رعيته.
ومنهم من قال : إن ذلك لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله صلىاللهعليهوآله سمعا وبصرا مخصوصين يسمع ويبصر بهما تمييزا لشأنه من غيره كما يشعر به قوله تعالى : « ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى » النجم : ١١.
وهذه الوجوه مضافا على اشتمال أكثرها على المجازفة مبنية على قياس هذه الأمور الغيبية على ما عندنا من الحوادث المادية وإجراء حكمها فيها وقد بلغ من تعسف بعضهم أن قال : إن معنى إنزال الملك القرآن أن الله ألهمه كلامه وهو في السماء وعلمه قراءته ثم الملك أداه في الأرض وهو يهبط في المكان وفي ذلك طريقتان : إحداهما أن النبي صلىاللهعليهوآله انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية فأخذه من الملك ، وثانيتهما أن الملك انخلع إلى صورة البشرية حتى يأخذه النبي صلىاللهعليهوآله والأولى أصعب الحالين. انتهى.
وليت شعري ما الذي تصوره من انخلاع الإنسان من صورته إلى صورة الملكية وصيرورته ملكا ثم عوده إنسانا ومن انخلاع الملك إلى صورة الإنسانية وقد فرض لكل منهما هوية مغايرة للآخر لا رابطة بين أحدهما والآخر ذاتا وأثرا وفي كلامه مواضع أخرى للنظر غير خفية على من تأمل فيه.
وللبحث تتمة لعل الله سبحانه يوفقنا لاستيفائها بإيراد كلام جامع في الملك وآخر في الوحي.
وقوله : « لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ » أي من الداعين إلى الله سبحانه بالتخويف من عذابه وهو المراد بالإنذار في عرف القرآن دون النبي أو الرسول بالخصوص ، قال