وقيل : الضمير في « سَلَكْناهُ » للتكذيب بالقرآن والكفر به المدلول عليه بقوله : « ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » هذا وهو قريب من الوجه الأول لكن الوجه الأول ألطف وأدق ، وقد ذكره في الكشاف.
وقد تبين بما تقدم أن المراد بالمجرمين مشركو مكة غير أن عموم وصف الاجرام يعمم الحكم ، وقال بعضهم : إن المراد بالمجرمين غير مشركي مكة من معاصريهم ومن يأتي بعدهم ، والمعنى : كما سلكناه في قلوب مشركي مكة نسلكه في قلوب غيرهم من المجرمين.
ولعل الذي دعاه إلى اختيار هذا الوجه إشكال اتحاد المشبه والمشبه به على الوجه الأول مع لزوم المغايرة بينهما فاعتبر المشار إليه بقوله : « كَذلِكَ » السلوك في قلوب مشركي مكة وهو المشبه به وجعل المشبه غيرهم من المجرمين وفيه أن تشبيه الكلي ببعض أفراده للدلالة على سراية حكمه في جميع الأفراد طريقة شائعة.
ومن هنا يظهر أن هناك وجها آخر وهو أن يكون المراد بالمجرمين ما يعم مشركي مكة وغيرهم بجعل اللام فيه لغير العهد ولعل الوجه الأول أقرب من السياق.
قوله تعالى : « لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ـ إلى قوله ـ مُنْظَرُونَ » تفسير وبيان لقوله : « كَذلِكَ سَلَكْناهُ » إلخ هذا على الوجه الأول والثالث من الوجوه المذكورة في الآية السابقة وأما على الوجه الثاني فهو استئناف غير مرتبط بما قبله.
وقوله : « حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ » أي حتى يشاهدوا العذاب الأليم فيلجئهم إلى الإيمان الاضطراري الذي لا ينفعهم ، والظاهر أن المراد بالعذاب الأليم ما يشاهدونه عند الموت واحتمل بعضهم أن يكون المراد به ما أصابهم يوم بدر من القتل ، لكن عموم الحكم في الآية السابقة لمشركي مكة وغيرهم لا يلائم ذلك.
وقوله : « فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ » كالتفسير لقوله : « حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ » إذ لو لم يأتهم بغتة وعلموا به قبل موعده لاستعدوا له وآمنوا باختيار منهم غير ملجئين إليه.
وقوله : « فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ » كلمة تحسر منهم.
قوله تعالى : « أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ » توبيخ وتهديد.