قال : وأما قول بعضهم : إن المعنى ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين فليس بذاك فإنه بمعزل من المناسبة لمقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد. انتهى ملخصا.
وفيه أن اتصال الآيتين بقوله : « بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » أقرب إليهما من اتصالهما بسياق تمادي الكفار في كفرهم وجحودهم وقد عرفت توضيحه.
ويمكن أن يورد على الوجه السابق أن الضمير في قوله : « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ » راجع إلى هذا القرآن الذي هو عربي فلو كان المراد تنزيله بلسان أعجمي لكان المعنى ولو نزلنا العربي غير عربي ولا محصل له.
ويرده أنه من قبيل قوله تعالى : « إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » الزخرف : ٣ ، ولا معنى لقولنا : إنا جعلنا العربي عربيا فالمراد بالقرآن على أي حال الكتاب المقروء.
قوله تعالى : « كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ » الإشارة بقوله : « كَذلِكَ » إلى الحال التي عليها القرآن عند المشركين وقد ذكرت في الآيات السابقة وهي أنهم معرضون عنه لا يؤمنون به وإن كان تنزيلا من رب العالمين وكان عربيا مبينا غير أعجمي وكان مذكورا في زبر الأولين يعلمه علماء بني إسرائيل.
والسلوك الإدخال في الطريق والإمرار ، والمراد بالمجرمين هم الكفار والمشركون وذكرهم بوصف الاجرام للإشارة إلى علة الحكم وهو سلوكه في قلوبهم على هذه الحال المبغوضة والمنفورة وأن ذلك مجازاة إلهية جازاهم بها عن إجرامهم وليعم الحكم بعموم العلة.
والمعنى على هذه الحال ـ وهي أن يكون بحيث يعرض عنه ولا يؤمن به ـ ندخل القرآن في قلوب هؤلاء المشركين ونمره في نفوسهم جزاء لإجرامهم وكذلك كل مجرم.
وقيل : الإشارة إلى ما ذكر من أوصاف القرآن الكريمة والمعنى : ندخل القرآن ونمره في قلوب المجرمين بمثل ما بينا له الأوصاف فيرون أنه كتاب سماوي ذو نظم معجز خارج عن طوق البشر وأنه مبشر به في زبر الأولين يعلمه علماء بني إسرائيل وتتم الحجة به عليهم وهو بعيد من السياق.