ولا مداهنة ولا مساهلة كما هو معهود في السنن الملوكية فلا فرق في تعلق الإنذار بين النبي وأمته ولا بين الأقارب والأجانب ، فالجميع عبيد والله مولاهم.
قوله تعالى : « وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » أي اشتغل بالمؤمنين بك واجمعهم وضمهم إليك بالرأفة والرحمة كما يجمع الطير أفراخه إليه بخفض جناحه لها ، وهذا من الاستعارة بالكناية تقدم نظيره في قوله : « وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » الحجر : ٨٨.
والمراد بالاتباع الطاعة بقرينة قوله في الآية التالية : « فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ » فملخص معنى الآيتين : إن آمنوا بك واتبعوك فاجمعهم إليك بالرأفة واشتغل بهم بالتربية وإن عصوك فتبرأ من عملهم.
قوله تعالى : « وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ » أي ليس لك من أمر طاعتهم ومعصيتهم شيء وراء ما كلفناك فكل ما وراء ذلك إلى الله سبحانه فإنه لعزته سيعذب العاصين وبرحمته سينجي المؤمنين المتبعين.
وفي اختصاص اسمي العزيز والرحيم إلفات للذهن إلى ما تقدم من القصص ختمت واحدة بعد واحدة بالاسمين الكريمين.
فهو في معنى أن يقال : توكل في أمر المتبعين والعاصين جميعا إلى الله فهو العزيز الرحيم الذي فعل بقوم نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وقوم فرعون ما فعل مما قصصناه فسنته أخذ العاصين وإنجاء المؤمنين.
قوله تعالى : « الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ » ظاهر الآيتين ـ على ما يسبق إلى الذهن ـ أن المراد بالساجدين الساجدون في الصلاة من المؤمنين وفيهم رسول الله صلىاللهعليهوآله في صلاته بهم جماعة ، والمراد بقرينة المقابلة القيام في الصلاة فيكون المعنى : الذي يراك وأنت بعينه في حالتي قيامك وسجودك متقلبا في الساجدين وأنت تصلي مع المؤمنين.
وفي معنى الآية روايات من طرق الشيعة وأهل السنة سنتعرض لها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله.
قوله تعالى : « إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » تعليل لقوله : « وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ »