قوله تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً » إلخ ، في تنكير العلم إشارة إلى تفخيم أمره ، ومما أشير فيه إلى علم داود من كلامه تعالى قوله : « وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ » ص : ٢٠. ومما أشير فيه إلى علم سليمان قوله : « فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً » الأنبياء : ٧٩ ، وذيل الآية يشملهما جميعا.
وقوله : « وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ » المراد بالتفضيل إما التفضيل بالعلم على ما ربما يؤيده سياق الآية ، وإما التفضيل بمطلق ما خصهما الله به من المواهب كتسخير الجبال والطير لداود وتليين الحديد له وإيتائه الملك ، وتسخير الجن والوحش والطير وكذا الريح لسليمان وتعليمه منطق الطير وإيتائه الملك على ما يستدعيه إطلاق التفضيل.
والآية أعني قوله : « وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ » إلخ ، على أي حال بمنزلة حكاية اعترافهما على التفضيل الإلهي فيكون كالشاهد على المدعى الذي تشير إليه بشارة صدر السورة أن الله سبحانه سيخص المؤمنين بما تقر به عيونهم ومثلها ما سيأتي من اعترافات سليمان في مواضع من كلامه.
قوله تعالى : « وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ » إلخ ، أي ورثه ماله وملكه ، وأما قول بعضهم : المراد به وراثة النبوة والعلم ففيه أن النبوة لا تقبل الوراثة لعدم قبولها الانتقال ، والعلم وإن قبل الانتقال بنوع من العناية غير أنه إنما يصح في العلم الفكري الاكتسابي والعلم الذي يختص به الأنبياء والرسل كرامة من الله لهم وهبي ليس مما يكتسب بالفكر فغير النبي يرث العلم من النبي لكن النبي لا يرث علمه من نبي آخر ولا من غير نبي.
وقوله : « وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » ظاهر السياق أنه عليهالسلام يباهي عن نفسه وأبيه وهو منه عليهالسلام تحديث بنعمة الله كما قال تعالى : « وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » الضحى : ١١ ، وأما إصرار بعض المفسرين على أن الضمير في قوله : « عُلِّمْنا » و « أُوتِينا » لنفسه لا له ولأبيه على ما هو عادة الملوك والعظماء في الإخبار عن أنفسهم ـ فإنهم يخبرون عنهم وعن خدمهم وأعوانهم رعاية لسياسة الملك ـ فالسياق السابق لا يساعد عليه كل المساعدة.