والمراد بالناس ظاهر معناه وهو عامة المجتمعين من غير تميز لبعضهم من بعض وقول بعضهم إن المراد بهم عظماء أهل مملكته أو علماؤهم غير سديد.
والمنطق والنطق على ما نتعارفه هو الصوت أو الأصوات المؤلفة الدالة بالوضع على معان مقصودة للناطق المسماة كلاما ولا يكاد يقال ـ على ما ذكره الراغب ـ إلا للإنسان لكن القرآن الكريم يستعمله في معنى أوسع من ذلك وهو دلالة الشيء على معنى مقصود لنفسه ، قال تعالى : « وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ » حم السجدة : ٢١ ، وهو إما من باب تحليل المعنى كما يستعمله القرآن في أغلب المعاني والمفاهيم المقصورة في الاستعمالات على المصاديق الجسمانية المادية كالرؤية والنظر والسمع واللوح والقلم والعرش والكرسي وغيرها ، وإما لأن للفظ معنى أعم واختصاصه بالإنسان من باب الانصراف لكثرة الاستعمال.
وكيف كان فمنطق الطير هو ما تدل به الطير بعضها على مقاصدها ، والذي نجده عند التأمل في أحوالها الحيوية هو أن لكل صنف أو نوع منها أصواتا ساذجة خاصة في حالاتها الخاصة الاجتماعية حسب تنوع اجتماعاتها كحال الهياج للسفاد وحال المغالبة والغلبة وحال الوحشة والفزع وحال التضرع أو الاستغاثة إلى غير ذلك ونظير الطير في ذلك سائر الحيوان.
لكن لا ينبغي الارتياب في أن المراد بمنطق الطير في الآية معنى أدق وأوسع من ذلك.
أما أولا : فلشهادة سياق الآية على أنه صلىاللهعليهوآله يتحدث عن أمر اختصاصي ليس في وسع عامة الناس أن ينالوه وإنما ناله بعناية خاصة إلهية ، وهذا المقدار المذكور من منطق الطير مما يسع لكل أحد أن يطلع عليه ويعرفه.
وأما ثانيا : فلأن ما حكاه الله تعالى في الآيات التالية من محاورة سليمان والهدهد يتضمن معارف عالية متنوعة لا يسع لما نجده عند الهدهد من الأصوات المعدودة أن تدل عليها بتميز لبعضها من بعض ففي كلام الهدهد ذكر الله سبحانه ووحدانيته وقدرته وعلمه وربوبيته وعرشه العظيم وذكر الشيطان وتزيينه الأعمال والهدى والضلال وغير ذلك ، وفيه ذكر الملك والعرش والمرأة وقومها وسجدتهم للشمس ، وفي كلام