أخرج جميع الأشياء من العدم إلى الوجود ومن الغيب إلى الشهادة فترتب على ذلك نظام التدبير من أصله ـ ومن جملتها الشمس وتدبيرها ـ أولى بالتعظيم وأحق أن يسجد له ، مع أنه لا معنى لعبادة ما لا شعور له بها ولا شعور للشمس بسجدتهم والله سبحانه يعلم ما يخفون وما يعلنون فالله سبحانه هو المتعين للسجدة والتعظيم لا غير.
وبهذا البيان تبين وجه اتصال قوله تلوا « اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ » إلخ.
قوله تعالى : « اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » من تمام كلام الهدهد وهو بمنزلة التصريح بنتيجة البيان الضمني السابق وإظهار الحق قبال باطلهم ولذا أتى أولا بالتهليل الدال على توحيد العبادة ثم ضم إليه قوله : « رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » الدال على انتهاء تدبير الأمر إليه فإن العرش الملكي هو المقام الذي تجتمع عنده أزمة الأمور وتصدر منه الأحكام الجارية في الملك.
وفي قوله : « رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » مناسبة محاذاة أخرى مع قوله في وصف ملكة سبإ : « وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ » ولعل قول الهدهد هذا هو الذي دعا ـ أو هو من جملة ما دعا ـ سليمان عليهالسلام أن يأمر أن يأتوا بعرشها إليه ليخضع لعظمة ربه كل عظمة.
قوله تعالى : « قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ » الضمير لسليمان عليهالسلام. أحال القضاء في أمر الهدهد إلى المستقبل فلم يصدقه في قوله لعدم بينة عليه بعد ولم يكذبه لعدم الدليل على كذبه بل وعده أن يجرب ويتأمل.
قوله تعالى : « اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ » حكاية قول سليمان خطابا للهدهد كأنه قيل : فكتب سليمان كتابا ثم قال للهدهد : اذهب بكتابي هذا إليهم أي إلى ملكة سبإ وملئها فألقه إليهم ثم تول عنهم أي تنح عنهم وقع في مكان تراهم فانظر ما ذا يرجعون أي ما ذا يرد بعضهم من الجواب على بعض إذا تكلموا فيه.
وقوله : « فَأَلْقِهْ » بسكون الهاء وصلا ووقفا في جميع القراءات وهي هاء السكت ، ومما قيل في الآية : إن قوله « ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ » إلخ ، من قبيل التقديم والتأخير والأصل فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم : وهو كما ترى.
قوله تعالى : « قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ »