خطه وحسن بيانه ، وقيل : لوصوله إليها على منهاج غير عادي ، وقيل : لظنها بسبب إلقاء الطير أنه كتاب سماوي إلى غير ذلك من الوجوه.
وأنت خبير بأنها تحكمات غير مقنعة ، والظاهر أن الذي أوقعهم فيما وقعوا حملهم قوله : « وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ ـ إلى قوله ـ مُسْلِمِينَ » على حكاية متن الكتاب وذلك ينافي حمل قوله : « إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ » إلخ ، على تعليل كرامة الكتاب ويدفعه أن ظاهر أن المفسرة في قوله : « أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ » إلخ ، أنه نقل لمعنى الكتاب ومضمونه لا حكاية متنه فمحصل الآيتين أن الكتاب كان مبدوا ببسم الله الرحمن الرحيم وأن مضمونه النهي عن العلو عليه والأمر بأن يأتوه مسلمين فلا محذور أصلا.
قوله تعالى : « أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ » أن مفسرة تفسر مضمون كتاب سليمان كما تقدمت الإشارة إليه.
وقول بعضهم : إنها مصدرية و « لا » نافية أي عدم علوكم علي ، سخيف لاستلزامه أولا : تقدير مبتدإ أو خبر محذوف من غير موجب ، وثانيا : عطف الإنشاء وهو قوله : « وَأْتُونِي » على الإخبار.
والمراد بعلوهم عليه ، استكبارهم عليه ، وبقوله : « وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ » إسلامهم بمعنى الانقياد على ما يؤيده قوله : « أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ » دون الإسلام بالمعنى المصطلح وهو الإيمان بالله سبحانه وإن كان إتيانهم منقادين له يستلزم إيمانهم بالله على ما يستفاد من سياق قول الهدهد وسياق الآيات الآتية ، ولو كان المراد بالإيمان المعنى المصطلح كان المناسب له أن يقال : أن لا تعلوا على الله.
وكون سليمان عليهالسلام نبيا شأنه الدعوة إلى الإسلام لا ينافي ذلك فإنه كان ملكا رسولا وكانت دعوته إلى الانقياد المطلق تستلزم ذلك كما تقدم وقد انتهت إلى إسلامها لله كما حكى الله تعالى عنها « وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».
قوله تعالى : « قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ » الإفتاء إظهار الفتوى وهي الرأي ، وقطع الأمر القضاء به والعزم عليه والشهادة الحضور وهذا استشارة منها لهم تقول : أشيروا علي في هذا الأمر الذي واجهته وهو الذي يشير إليه كتاب سليمان ـ وإنما أستشيركم فيه لأني لم أكن حتى اليوم