أستبد برأيي في الأمور بل أقضي وأعزم عن إشارة وحضور منكم.
فالآية تشير إلى فصل ثان من كلامها مع ملئها بعد الفصل الأول الذي أخبرتهم فيه بكتاب سليمان عليهالسلام وكيفية وصوله وما فيه.
قوله تعالى : « قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ » القوة ما يتقوى به على المطلوب وهي هاهنا الجند الذي يتقوى به على دفع العدو وقتاله ، والبأس الشدة في العمل والمراد به النجدة والشجاعة.
والآية تتضمن جواب الملإ لها يسمعونها أولا ما يطيب له نفسها ويسكن به قلقها ثم يرجعون إليها الأمر يقولون طيبي نفسا ولا تحزني فإن لنا من القوة والشدة ما لا نهاب به عدوا وإن كان هو سليمان ثم الأمر إليك مري بما شئت فنحن مطيعوك.
قوله تعالى : « قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ » إفساد القرى تخريبها وإحراقها وهدم أبنيتها ، وإذلال أعزة أهلها هو بالقتل والأسر والسبي والإجلاء والتحكم.
كان رأيها على ما يستفاد من هاتين الآيتين ـ زيادة التبصر في أمر سليمان عليهالسلام بأن ترسل إليه من يختبر حاله ويشاهد مظاهر نبوته وملكه فيخبر الملكة بما رأى حتى تصمم هي العزم على أحد الأمرين : الحرب أو السلم وكان الظاهر من كلام الملإ « حيث بدءوا في الكلام معها بقولهم نحن أولو قوة وأولو بأس شديد ، أنهم يميلون إلى القتال لذلك أخذت أولا تذم الحرب ثم نصت على ما هو رأيها فقالت : « إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها » إلخ ، أي إن الحرب لا تنتهي إلا إلى غلبة أحد المتحاربين وفيها فساد القرى وذلة أعزتها فليس من الحزم الإقدام عليها مع قوة العدو وشوكته مهما كانت إلى السلم والصلح سبيل إلا لضرورة ورأيي الذي أراه أن أرسل إليهم بهدية ثم أنظر بما ذا يرجع المرسلون من الخبر وعند ذلك أقطع بأحد الأمرين الحرب أو السلم.
فقوله : « إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا » إلخ ، توطئة لقوله بعد : « وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ » إلخ.
وقوله : « وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً » أبلغ وآكد من قولنا مثلا : استذلوا أعزتها لأنه مع الدلالة على تحقق الذلة يدل على تلبسهم بصفة الذلة.