يهدى إليكم من الهدية لحبكم زيادة المال وأما أنا فلا أعتد بمال الدنيا هذا. وبعده ظاهر.
قوله تعالى : « ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ » الخطاب لرئيس المرسلين ، وضمائر الجمع راجعة إلى ملكة سبإ وقومها ، والقبل الطاقة ، وضمير « بِها » لسبإ ، وقوله : « وَهُمْ صاغِرُونَ » تأكيد لما قبله ، واللام في « فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ » و « لَنُخْرِجَنَّهُمْ » للقسم.
لما كان ظاهر تبديلهم امتثال أمره ـ وهو قوله : « وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ » من إرسال الهدية هو الاستنكاف عن الإسلام قدر بحسب المقام أنهم غير مسلمين له فهددهم بإرسال جنود لا قبل لهم بها ولذلك فرع إتيانهم بالجنود على رجوع الرسول من غير أن يشترطه بعدم إتيانهم مسلمين فقال : « ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ » إلخ ، ولم يقل : ارجع فإن لم يأتوني مسلمين فلنأتينهم إلخ ، وإن كان مرجع المعنى إليه فإن إرسال الجنود وإخراجهم من سبإ على حال الذلة كان مشروطا به على أي حال.
والسياق يشهد أنه عليهالسلام رد إليهم هديتهم ولم يقبلها منهم.
قوله تعالى : « قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ » كلام تكلم به بعد رد الهدية وإرجاع الرسل ، وفيه إخباره أنهم سيأتونه مسلمين وإنما أراد الإتيان بعرشها قبل حضورها وقومها عنده ليكون دلالة ظاهرة على بلوغ قدرته الموهوبة من ربه ومعجزة باهرة لنبوته حتى يسلموا لله كما يسلمون له ويستفاد ذلك من الآيات التالية.
قوله تعالى : « قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ » العفريت ـ على ما قيل ـ المارد الخبيث ، وقوله : « آتِيكَ بِهِ » اسم فاعل أو فعل مضارع من الإتيان ، والأول أنسب للسياق لدلالته على التلبس بالفعل وكونه أنسب لعطف قوله : « وَإِنِّي عَلَيْهِ » إلخ ، وهو جملة اسمية عليه. كذا قيل.
وقوله : « وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ » الضمير للإتيان أي أنا للإتيان بعرشها لقوي لا يثقل علي حمله ولا يجهدني نقله أمين لا أخونك في هذا الأمر.
قوله تعالى : « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ » مقابلته لمن قبله دليل