على أنه كان من الإنس ، وقد وردت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهالسلام أنه كان آصف بن برخيا وزير سليمان ووصيه ، وقيل : هو الخضر ، وقيل : رجل كان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أجاب وقيل : جبرئيل ، وقيل : هو سليمان نفسه ، وهي وجوه لا دليل على شيء منها.
وأيا ما كان وأي من كان ففصل الكلام مما قبله من غير أن يعطف عليه للاعتناء بشأن هذا العالم الذي أتى بعرشها إليه في أقل من طرفة العين ، وقد اعتنى بشأن علمه أيضا إذ نكر فقيل : ( عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ) أي علم لا يحتمل اللفظ وصفه.
والمراد بالكتاب الذي هو مبدأ هذا العلم العجيب إما جنس الكتب السماوية أو اللوح المحفوظ ، والعلم الذي أخذه هذا العالم منه كان علما يسهل له الوصول إلى هذه البغية وقد ذكر المفسرون أنه كان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أجاب ، وربما ذكر بعضهم أن ذلك الاسم هو الحي القيوم ، وقيل : ذو الجلال والإكرام ، وقيل : الله الرحمن ، وقيل : هو بالعبرانية آهيا شراهيا ، وقيل : إنه دعا بقوله : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها. إلى غير ذلك مما قيل.
وقد تقدم في البحث عن الأسماء الحسنى في الجزء الثامن من الكتاب أن من المحال أن يكون الاسم الأعظم الذي له التصرف في كل شيء من قبيل الألفاظ ولا المفاهيم التي تدل عليها وتكشف عنها الألفاظ بل إن كان هناك اسم له هذا الشأن أو بعض هذا الشأن فهو حقيقة الاسم الخارجية التي ينطبق عليها مفهوم اللفظ نوعا من الانطباق وهي الاسم حقيقة واللفظ الدال عليها اسم الاسم.
ولم يرد في لفظ الآية نبأ من هذا الاسم الذي ذكروه بل الذي تتضمنه الآية أنه كان عنده علم من الكتاب ، وأنه قال : ( أَنَا آتِيكَ بِهِ ) ، ومن المعلوم مع ذلك أن الفعل فعل الله حقيقة ، وبذلك كله يتحصل أنه كان له من العلم بالله والارتباط به ما إذا سأل ربه شيئا بالتوجه إليه لم يتخلف عن الاستجابة وإن شئت فقل : إذا شاءه الله سبحانه.
ويتبين مما تقدم أيضا أن هذا العلم لم يكن من سنخ العلوم الفكرية التي تقبل الاكتساب والتعلم.
وقوله : « أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » الطرف ـ على ما قيل ـ