بالنسبة إلى آبائهم الأولين فإن استبعاد الوهم لبعثهم وقد انمحت رسومهم ولم يبق منهم إلا أحاديث أشد وأقوى من استبعاده بعثهم أنفسهم.
ولو كان إنكارهم البعث مبنيا على أنهم ينعدمون بالموت فتستحيل إعادتهم كان الحكم فيهم وفي آبائهم على نهج واحد ولم يحتج إلى تجديد استفهام بالنسبة إلى آبائهم.
قوله تعالى : « قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ » أمر تعالى نبيه صلىاللهعليهوآله أن يجيبهم بأنهم مبعوثون.
وقوله : « وَأَنْتُمْ داخِرُونَ » أي صاغرون مهانون أذلاء ، وهذا في الحقيقة احتجاج بعموم القدرة ونفوذ الإرادة من غير مهلة ، فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ولذا عقبه بقوله : « فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ » وقد قال تعالى : « وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » النحل ـ ٧٧.
وقوله : « فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ » إلخ الفاء لإفادة التعليل والجملة تعليل لقوله : « وَأَنْتُمْ داخِرُونَ » وفي التعبير بزجرة إشعار باستذلالهم.
قوله تعالى : « وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ » معطوف على قوله : « يَنْظُرُونَ » المشعر بأنهم مبهوتون مدهوشون متفكرون ثم يتنبهون بكونه يوم البعث فيه الدين والجزاء وهم يحذرون منه بما كفروا وكذبوا ولذا قالوا : يوم الدين ، ولم يقولوا يوم البعث ، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع.
وقوله : « هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ » قيل هو كلام بعضهم لبعض وقيل : كلام الملائكة أو كلامه تعالى لهم ، ويؤيده الآية التالية ، والفصل هو التمييز بين الشيئين وسمي يوم الفصل لكونه يوم التمييز بين الحق والباطل بقضائه وحكمه تعالى أو التمييز بين المجرمين والمتقين قال تعالى : « وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ » يس : ـ ٥٩.
قوله تعالى : « احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ » من كلامه تعالى للملائكة والمعنى وقلنا للملائكة : احشروهم وقيل : هو من كلام الملائكة بعضهم لبعض.