« إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً » النبأ : ـ ٢٢ وقال : « فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى » النازعات : ـ ٣٩.
ولهذا المعنى عقب قوله : « بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ » بقوله : « فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ » أي لذائقون العذاب.
ثم قالوا : « فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ » وهو متفرع على ثبوت كلمة العذاب وآخر الأسباب لهلاكهم فإن الطغيان يستتبع الغواية ثم نار جهنم ، قال تعالى لإبليس « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ » الحجر : ـ ٤٣.
فكأنه قيل : فلما تلبستم بالطغيان حل بكم الغواية بأيدينا من غير سلطان لنا عليكم إلا اتباعكم لنا واتصالكم بنا فسرى إليكم ما فينا من الصفة وهي الغواية فالغاوي لا يتأتى منه إلا الغواية والإناء لا يترشح منه إلا ما فيه ، وبالجملة إنكم لم تجبروا ولم تسلبوا الاختيار منذ بدأتم في سلوك سبيل الهلاك إلى أن وقعتم في ورطته وهي الغواية فحق عليكم القول.
قوله تعالى : « فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ـ إلى قوله ـ يَسْتَكْبِرُونَ » ضمير « فَإِنَّهُمْ » للتابعين والمتبوعين فهم مشتركون في العذاب لاشتراكهم في الظلم وتعاونهم على الجرم من غير مزية لبعضهم على بعض.
واستظهر بعضهم أن المغوين أشد عذابا وذلك في مقابلة أوزارهم وأوزار أمثال أوزارهم فالشركة لا تقتضي المساواة والحق أن الآيات مسوقة لبيان اشتراكهم في الظلم والجرم والعذاب اللاحق بهم من قبله ، ويمكن مع ذلك أن يلحق بكل من المتبوعين والتابعين ألوان من العذاب ناشئة عن خصوص شأنهم قال تعالى : « وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ » العنكبوت : ـ ١٣ ، وقال : « رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ » الأعراف : ـ ٣٨.
وقوله : « إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ » تأكيد لتحقيق العذاب ، والمراد بالمجرمين المشركون بدليل قوله بعد : « إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ » أي إذا