ومن المعلوم أن من كانت هذه صفته كان التذاذه وتنعمه غير ما يلتذ ويتنعم غيره وارتزاقه بغير ما يرتزق به سواه وإن شاركهم في ضروريات المأكل والمشرب ومن هنا يتأيد أن المراد بقوله : « أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ » الإشارة إلى أن رزقهم في الجنة ـ وهم عباد مخلصون ـ رزق خاص لا يشبه رزق غيرهم ولا يختلط بما يتمتع به من دونهم وإن اشتركا في الاسم.
فقوله : « أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ » أي رزق خاص متعين ممتاز من رزق غيرهم فكونه معلوما كناية عن امتيازه كما في قوله : « وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » الصافات : ـ ١٦٤ والإشارة بلفظ البعيد للدلالة على علو مقامهم.
وأما ما فسره بعضهم أن المراد بكون رزقهم معلوما كونه معلوم الخصائص مثل كونه غير مقطوع ولا ممنوع حسن المنظر لذيذ الطعم طيب الرائحة ، وكذا ما ذكره آخرون أن المراد أنه معلوم الوقت لقوله : « وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا » مريم : ـ ٦٢ وكذا قول القائل : إن المراد به الجنة فهي وجوه غير سديدة.
ومن هنا يظهر أن أخذ قوله : « إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ » استثناء من ضمير « وَما تُجْزَوْنَ » لا يخلو من وجه كما تقدمت الإشارة إليه.
وقوله : « فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ » الفواكه جمع فاكهة وهي ما يتفكه به من الأثمار بيان لرزقهم المعلوم غير أنه تعالى شفعه بقوله : « وَهُمْ مُكْرَمُونَ » للدلالة على امتياز هذا الرزق أعني الفاكهة مما عند غيرهم بأنها مقارنة لإكرام خاص يخصهم قبال اختصاصهم بالله سبحانه وكونه لهم لا يشاركهم فيه شيء.
وفي إضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى ذلك فقد تقدم في قوله : « فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ » الآية : النساء : ـ ٦٩ ، وقوله : « وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » المائدة : ـ ٣ وغيرهما أن حقيقة النعمة هي الولاية وهي كونه تعالى هو القائم بأمر عبده.
وقوله : « عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ » السرر جمع سرير وهو معروف وكونهم متقابلين معناه استئناس بعضهم ببعض واستمتاعهم بنظر بعضهم في وجه بعض من غير أن يرى بعضهم قفا بعض.