وهذا تهديد منه تعالى لهم.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ » كلمته تعالى لهم قوله الذي قاله فيهم وهو حكمه وقضاؤه في حقهم وسبق الكلمة تقدمها عهدا أو تقدمها بالنفوذ والغلبة واللام تفيد معنى النفع أي إنا قضينا قضاء محتوما فيهم إنهم لهم المنصورون وقد أكد الكلام بوجوه من التأكيد.
وقد أطلق النصر من غير تقييده بدنيا أو آخرة أو بنحو آخر بل القرينة على خلافه قال تعالى : « إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ » المؤمن : ـ ٥١.
فالرسل عليهالسلام منصورون في الحجة لأنهم على الحق والحق غير مغلوب.
وهم منصورون على أعدائهم إما بإظهارهم عليهم وإما بالانتقام منهم قال تعالى : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ـ إلى أن قال ـ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ » يوسف : ـ ١١٠.
وهم منصورون في الآخرة كما قال تعالى : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » التحريم : ـ ٨ ، وقد تقدم آنفا آية في سورة المؤمن في هذا المعنى.
قوله تعالى : « وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ » الجند هو المجتمع الغليظ ولذا يقال للعسكر جند فهو قريب المعنى من الحزب (١) وقد قال تعالى في موضع آخر من كلامه : « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ » المائدة : ـ ٥٦.
والمراد بقوله : « جُنْدَنا » هو المجتمع المؤتمر بأمره المجاهد في سبيله وهم المؤمنون خاصة أو الأنبياء ومن تبعهم من المؤمنين وفي الكلام على التقدير الثاني تعميم بعد التخصيص ، وكيف كان فالمؤمنون منصورون كمتبوعيهم من الأنبياء قال تعالى
__________________
(١) قال تعالى : « إذ جاءتكم جنود » الأحزاب : ٩ وقال فيهم بعينهم : « ولما رأى المؤمنون الأحزاب » الأحزاب : ٢٢.