ينفك عن نسيان يوم الحساب.
قوله تعالى : « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً » إلى آخر الآية ، لما انتهى الكلام إلى ذكر يوم الحساب عطف عنان البيان عليه فاحتج عليه بحجتين إحداهما ما ساقه في هذه الآية بقوله : « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ » إلخ وهو احتجاج من طريق الغايات إذ لو لم يكن خلق السماء والأرض وما بينهما ـ وهي أمور مخلوقة مؤجلة توجد وتفنى ـ مؤديا إلى غاية ثابتة باقية غير مؤجلة كان باطلا والباطل بمعنى ما لا غاية له ممتنع التحقق في الأعيان. على أنه مستحيل من الحكيم ولا ريب في حكمته تعالى.
وربما أطلق الباطل وأريد به اللعب ولو كان المراد ذلك كانت الآية في معنى قوله : « وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ » الدخان : ـ ٣٩.
وقيل : الآية عطف على ما قبلها بحسب المعنى كأنه قيل : ولا تتبع الهوى لأنه يكون سببا لضلالك ولأنه تعالى لم يخلق العالم لأجل اتباع الهوى وهو الباطل بل خلقه للتوحيد ومتابعة الشرع.
وفيه أن الآية التالية : « أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ » إلخ لا تلائم هذا المعنى.
وقوله : « ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ » أي خلق العالم باطلا لا غاية له وانتفاء يوم الحساب الذي يظهر فيه ما ينتجه حساب الأمور ظن الذين كفروا بالمعاد فويل لهم من عذاب النار.
قوله تعالى : « أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » هذه هي الحجة الثانية على المعاد وتقريرها أن للإنسان كسائر الأنواع كمالا بالضرورة وكمال الإنسان هو خروجه في جانبي العلم والعمل من القوة إلى الفعل بأن يعتقد الاعتقادات الحقة ويعمل الأعمال الصالحة اللتين يهديه إليهما فطرته الصحيحة وهما الإيمان بالحق والعمل الصالح اللذين بهما يصلح المجتمع الإنساني الذي في الأرض.
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم المتقون هم الكاملون من الإنسان والمفسدون