والظاهر أن المراد من مس الشيطان له بالنصب والعذاب استناد نصبه وعذابه من الشيطان بنحو من السببية والتأثير وهو الذي يظهر من الروايات ، ولا ينافي استناد المرض ونحوه إلى الشيطان استناده أيضا إلى بعض الأسباب العادية الطبيعية لأن السببين ليسا عرضيين متدافعين بل أحدهما في طول الآخر وقد أوضحنا ذلك في تفسير قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ » الأعراف : ـ ٩٦ في الجزء الثامن من الكتاب.
ولا دليل يدل على امتناع وقوع هذا النوع من التأثير للشيطان في الإنسان وقد قال تعالى : « إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ » المائدة : ـ ٩٠ فنسبها أنفسها إليه ، وقال حاكيا عن موسى عليهالسلام : « هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ » القصص : ـ ١٥ يشير إلى الاقتتال.
ولو أغمض عن الروايات أمكن أن يحتمل أن يكون المراد بانتساب ذلك إلى الشيطان إغراؤه الناس بوسوسته أن يتجنبوا من الاقتراب منه وابتعادهم وطعنهم فيه أن لو كان نبيا لم تحط به البلية من كل جانب ولم يصر إلى ما صار إليه من العاقبة السوأى وشماتتهم واستهزائهم به.
وقد أنكر في الكشاف ، ما تقدم من الوجه قائلا : لا يجوز أن يسلط الله الشيطان على أنبيائه عليهالسلام ليقضي من تعذيبهم وإتعابهم وطره ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب. انتهى.
وفيه أن الذي يخص الأنبياء وأهل العصمة أنهم لمكان عصمتهم في أمن من تأثير الشيطان في نفوسهم بالوسوسة ، وأما تأثيره في أبدانهم وسائر ما ينسب إليهم بإيذاء أو إتعاب أو نحو ذلك من غير إضلال فلا دليل يدل على امتناعه ، وقد حكى الله سبحانه عن فتى موسى وهو يوشع النبي عليهالسلام : « فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ » الكهف : ـ ٦٣.
ولا يلزم من تسلطه على نبي بالإيذاء والإتعاب لمصلحة تقتضيه كظهور صبره في