فالتدبير خلق بوجه كما أن الخلق تدبير بوجه والخالق الموجد للسماوات والأرض وما بينهما هو الله سبحانه ـ حتى عند الخصم ـ فهو تعالى ربها المدبر لها جميعا فهو وحده الإله الذي يجب أن يقصد بالعبادة لأن العبادة تمثيل عبودية العابد ومملوكيته تجاه مولوية المعبود ومالكيته وتصرفه في العابد بإفاضة النعمة ودفع النقمة فهو سبحانه الإله في السماوات والأرض وما بينهما لا إله غيره. فافهم ذلك.
ويمكن أن يكون قوله : « رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا » بيانا لقوله « الْقَهَّارُ » أو « الْواحِدُ الْقَهَّارُ ».
وقوله : « الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ » يفيد حجة أخرى على توحده تعالى في الألوهية وذلك أنه تعالى عزيز لا يغلبه شيء بإكراهه على ما لم يرد أو بمنعه عما أراد فهو العزيز على الإطلاق وغيره من شيء ذليل عنده قانت له والعبادة إظهار للمذلة ولا يستقيم إلا قبال العزة ولا عزة لغيره تعالى إلا به.
وأيضا غاية العبادة وهي تمثيل العبودية التقرب إلى المعبود ورفع وصمة البعد عن العبد العابد وهو مغفرة الذنب والله سبحانه هو المستقل بالرحمة التي لا تنفد خزائنها وهو الذي يورد عباده العابدين له في الآخرة دار كرامته فهو الغفار الذي يجب أن يعبد طمعا في مغفرته.
ويمكن أن يكون قوله : « الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ » تلويحا إلى وجه الدعوة إلى التوحيد أو وجوب الإيمان به المفهوم بحسب المقام من قوله : « وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » والمعنى أدعوكم إلى توحيده فآمنوا به لأنه العزيز الذي لا يشوبه ذلة الغفار للذنوب وهكذا يجب أن يكون الإله.
قوله تعالى : « قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ » مرجع الضمير ما ذكره من حديث الوحدانية في قوله : « وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ » إلخ.
وقيل : الضمير للقرآن فهو النبأ العظيم الذي أعرضوا عنه ، وهو أوفق لسياق الآيات السابقة المرتبطة بأمر القرآن ، وأوفق أيضا لقوله الآتي : « ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ » أي حتى أخبرني به القرآن ، وقيل : المراد به يوم القيامة وهو أبعد الوجوه.