قوله تعالى : « ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ » الملأ الأعلى جماعة الملائكة وكأن المراد باختصامهم ما أشار تعالى إليه بقوله : « إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » إلى آخر الآيات.
وكأن المعنى إني ما كنت أعلم اختصام الملإ الأعلى حتى أوحى الله إلي ذلك في كتابه فإنما أنا منذر أتبع الوحي.
قوله تعالى : « إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ » تأكيد لقوله : « إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ » وبمنزلة التعليل لقوله : « ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى » والمعنى لم أكن أعلم ذلك لأن علمي ليس من قبل نفسي وإنما هو بالوحي وليس يوحى إلي إلا ما يتعلق بالإنذار.
قوله تعالى : « إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ » الذي يعطيه السياق أن الآية وما بعدها ليست تتمة لقول النبي صلىاللهعليهوآله : « إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ » إلخ والشاهد عليه قوله : « رَبُّكَ » فهو من كلامه تعالى يشير إلى زمان اختصام الملإ الأعلى والظرف متعلق بما تعلق به قوله : « إِذْ يَخْتَصِمُونَ » أو متعلق بمحذوف والتقدير « اذكر إذ قال ربك للملائكة » إلخ فإن قوله تعالى للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » وقوله لهم : « إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ » متقارنان وقعا في ظرف واحد.
وعلى هذا يؤول معنى قوله : « إِذْ قالَ رَبُّكَ » إلخ إلى نحو من قولنا : اذكر وقتئذ قال ربك كذا وكذا فهو وقت اختصامهم.
وجعل بعضهم قوله : « إِذْ قالَ رَبُّكَ » إلخ مفسرا لقوله : « إِذْ يَخْتَصِمُونَ » ثم أخذ الاختصام بعد تفسيره بالتقاول مجموع قوله تعالى للملائكة « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » وقولهم : « أَتَجْعَلُ » إلخ ، وقوله لآدم وقول آدم لهم ، وقوله تعالى لهم : ( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً ) » وقول إبليس وقوله تعالى له.
وقال على تقدير كون الاختصام بمعنى المخاصمة ودلالة قوله : « إِذْ يَخْتَصِمُونَ » على كون المخاصمة بين الملائكة أنفسهم لا بينهم وبين الله سبحانه أن إخباره تعالى لهم بقوله : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » « إِنِّي خالِقٌ بَشَراً » كان بتوسط ملك من الملائكة وكذا قوله لآدم ولإبليس فيكون قولهم لربهم : « أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها » إلخ وغيره قولا منهم للملك المتوسط ويقع الاختصام فيما بينهم أنفسهم.