وأنت خبير بأن شيئا مما ذكره لا يستفاد من سياق الآيات.
وقوله : « إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ » البشر الإنسان ، قال الراغب : البشر ظاهر الجلد والأدمة باطنه. كذا قال عامة الأدباء ، قال : وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الوبر ، واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثني فقال تعالى : « أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ » وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر. انتهى.
وقد عد في الآية مبدأ خلق الإنسان الطين ، وفي سورة الروم التراب وفي سورة الحجر صلصال من حمإ مسنون ، وفي سورة الرحمن صلصال كالفخار ولا ضير فإنها أحوال مختلفة لمادته الأصلية التي منها خلق وقد أشير في كل موضع إلى واحدة منها.
قوله تعالى : « فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ » تسوية الإنسان تعديل أعضائه بتركيب بعضها على بعض وتتميمها صورة إنسان تام ، ونفخ الروح فيه جعله ذا نفس حية إنسانية وإضافة الروح إليه تعالى تشريفية وقوله : « فَقَعُوا » أمر من الوقوع وهو متفرع على التسوية والنفخ.
قوله تعالى : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ » ظاهر الدلالة على سجود الملائكة له من غير استثناء.
قوله تعالى : « إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ » أي استكبر إبليس فلم يسجد له وكان قبل ذلك من الكافرين كما حكى سبحانه عنه في سورة الحجر قوله : « لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ » الحجر : ـ ٣٣.
قوله تعالى : « قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ » نسبة خلقه إلى اليد للتشريف بالاختصاص كما قال : « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » وتثنية اليد كناية عن الاهتمام التام بخلقه وصنعه فإن الإنسان إنما يستعمل اليدين فيما يهتم به من العمل فقوله : « خَلَقْتُ بِيَدَيَ » كقوله : « مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا » يس : ـ ٧١.
وقيل : المراد باليد القدرة والتثنية لمجرد التأكيد كقوله : « ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ »