أو كثير الستر للحق ، وفي الجملة إشعار بل دلالة على أن الحكم يوم القيامة على المشركين لا لهم وأنهم مسيرون إلى العذاب ، والمراد بالهداية الإيصال إلى حسن العاقبة.
قوله تعالى : « لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » احتجاج على نفي قولهم : إن الله اتخذ ولدا ، وقول بعضهم : الملائكة بنات الله. والقول بالولد دائر بين عامة الوثنية على اختلاف مذاهبهم وقد قالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقالت اليهود على ما حكاه القرآن عنهم : عزير ابن الله وكأنها بنوة تشريفية.
والبنوة كيفما كانت تقتضي شركة ما بين الابن والأب والولد والوالد فإن كانت بنوة حقيقية وهي اشتقاق شيء من شيء وانفصاله منه اقتضت الشركة في حقيقة الذات والخواص والآثار المنبعثة من الذات كبنوة إنسان لإنسان المقتضية لشركة الابن لأبيه في الإنسانية ولوازمها ، وإن كانت بنوة اعتبارية كالبنوة الاجتماعية وهو التبني اقتضت الاشتراك في الشئونات الخاصة بالأب كالسؤدد والملك والشرف والتقدم والوراثة وبعض أحكام النسب ، والحجة المسوقة في الآية تدل على استحالة اتخاذ الولد عليه تعالى بكلا المعنيين.
فقوله : « لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً » شرط صدر بلو الدال على الامتناع للامتناع ، وقوله : « لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ » أي لاختار لذلك مما يخلق ما يتعلق به مشيئته على ما يفيده السياق وكونه مما يخلق لكون ما عداه سبحانه خلقا له.
وقوله : « سُبْحانَهُ » تنزيه له سبحانه ، وقوله : « هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » بيان لاستحالة الشرط وهو إرادة اتخاذ الولد ليترتب عليه استحالة الجزاء وهو اصطفاء ما يشاء مما يخلق وذلك لأنه سبحانه واحد في ذاته المتعالية لا يشاركه فيها شيء ولا يماثله فيها أحد لأدلة التوحيد ، وواحد في صفاته الذاتية التي هي عين ذاته كالحياة والعلم والقدرة ، وواحد في شئونه التي هي من لوازم ذاته كالخلق والملك والعزة والكبرياء لا يشاركه فيها أحد.
وهو سبحانه قهار يقهر كل شيء بذاته وصفاته فلا يستقل قبال ذاته ووجوده شيء في ذاته ووجوده ولا يستغني عنه شيء في صفاته وآثار وجوده فالكل أذلاء داخرون بالنسبة إليه مملوكون له فقراء إليه.