فمحصل حجة الآية قياس استثنائي ساذج يستثني فيه نقيض المقدم لينتج نقيض التالي وهو نحو من قولنا : لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى لذلك بعض من يشاء من خلقه لكن إرادته اتخاذ الولد ممتنعة لكونه واحدا قهارا فاصطفاؤه لذلك بعض من يشاء من خلقه ممتنع.
وقد أغرب بعضهم في تقريب حجة الآية فقال : حاصل المعنى لو أراد سبحانه اتخاذ الولد لامتنعت تلك الإرادة لتعلقها بالممتنع أعني الاتخاذ لكن لا يجوز للباري إرادة ممتنعة لأنها ترجح بعض الممكنات على بعض.
وأصل الكلام لو اتخذ الولد لامتنع لاستلزامه ما ينافي الألوهية فعدل إلى لو أراد الاتخاذ لامتنع أن يريده ليكون أبلغ وأبلغ ثم حذف هذا الجواب وجيء بدله لاصطفى تنبيها على أن الممكن هذا لا الأول وأنه لو كان هذا من اتخاذ الولد في شيء لجاز اتخاذ الولد عليه سبحانه وتعالى شأنه عن ذلك فقد تحقق التلازم وحق نفي اللازم وإثبات الملزوم دون صعوبة. انتهى.
وكأنه مأخوذ من قول الزمخشري في الكشاف ، في تفسير الآية حيث قال : يعني لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ولم يصح لكونه محالا ولم يتأت إلا أن يصطفي من خلقه بعضه ويختصهم ويقربهم كما يختص الرجل ولده ويقربه وقد فعل ذلك بالملائكة فافتتنتم به وغركم اختصاصه إياهم فزعمتم أنهم أولاده جهلا منكم به وبحقيقته المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض كأنه قال : لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما يشاء من خلقه وهم الملائكة لكنكم لجهلكم به حسبتم اصطفاءهم اتخاذهم أولادا ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعلتموهم بنات فكنتم كذابين كفارين متبالغين في الافتراء على الله وملائكته غالين في الكفر انتهى.
وأنت خبير أن سياق الآية لا يلائم هذا البيان. على أنه لا يدفع قول القائل بالتبني التشريفي كقول اليهود عزير ابن الله فإنهم لا يريدون بالتبني إلا اصطفاء من يشاء من خلقه.
وهناك بعض تقريبات أخر منهم لا جدوى فيه تركنا إيراده.
قوله تعالى : « خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ » لا يبعد أن يكون ما فيه من