الإشارة إلى الخلق والتدبير بيانا لقهاريته تعالى لكن اتصال الآيتين وارتباطهما مضمونا وانتهاء الثانية إلى قوله : « ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ » إلخ كالصريح في أن ذلك استئناف بيان للاحتجاج على توحيد الربوبية.
فالآية والتي تليها مسوقتان لتوحيد الربوبية وقد جمع فيهما بين الخلق والتدبير لما مر مرارا أن إثبات وحدة الخالق لا يستلزم عند الوثني نفي تعدد الأرباب والآلهة لأنهم لا ينكرون انحصار الخلق والإيجاد فيه تعالى لكنه سبحانه فيما يحتج على توحده في الربوبية والألوهية في كلامه يجمع بين الخلق والتدبير إشارة إلى أن التدبير غير خارج من الخلق بل هو خلق بوجه كما أن الخلق تدبير بوجه وعند ذلك يتم الاحتجاج على رجوع التدبير إليه تعالى وانحصاره فيه برجوع الخلق إليه.
وقوله : « خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ » إشارة إلى الخلقة ، وفي قوله : « بِالْحَقِ » ـ والباء للملابسة ـ إشارة إلى البعث فإن كون الخلقة حقا غير باطل يلازم كونها لغاية تقصدها وتنساق إليها وهي البعث قال تعالى : « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً » ـ ص : ـ ٢٧.
وقوله : « يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ » قال في المجمع ، التكوير طرح الشيء بعضه على بعض. انتهى فالمراد طرح الليل على النهار وطرح النهار على الليل فيكون من الاستعارة بالكناية قريب المعنى من قوله : « يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ » الأعراف : ـ ٥٤ والمراد استمرار توالي الليل والنهار بظهور هذا على ذاك ثم ذاك على هذا وهكذا ، وهو من التدبير.
وقوله : « وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى » أي سخر الشمس والقمر فأجراهما للنظام الجاري في العالم الأرضي إلى أجل مسمى معين لا يتجاوزانه.
وقوله : « أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ » يمكن أن يكون في ذكر الاسمين إشارة إلى ما يحتج به على توحده تعالى في الربوبية والألوهية فإن العزيز الذي لا يعتريه ذلة إن كان فهو الله وهو المتعين للعبادة لا غيره الذي تغشاه الذلة وتغمره الفاقة وكذا الغفار للذنوب إذا قيس إلى من ليس من شأنه ذلك.
ويمكن أن يكون ذكرهما تحضيضا على التوحيد والإيمان بالله الواحد والمعنى