أنبهكم أنه هو العزيز فآمنوا به واعتزوا بعزته ، الغفار فآمنوا به يغفر لكم.
قوله تعالى : « خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها » إلخ الخطاب لعامة البشر ، والمراد بالنفس الواحدة ـ على ما تؤيده نظائره من الآيات ـ آدم أبو البشر ، والمراد بزوجها امرأته التي هي من نوعها وتماثلها في الإنسانية ، و « ثُمَ » للتراخي بحسب رتبة الكلام.
والمراد أنه تعالى خلق هذا النوع وكثر أفراده من نفس واحدة وزوجها.
وقوله : « وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » الأنعام هي الإبل والبقر والضأن والمعز ، وكونها ثمانية أزواج باعتبار انقسامها إلى الذكر والأنثى.
وتسمية خلق الأنعام في الأرض إنزالا لها باعتبار أنه تعالى يسمي ظهور الأشياء في الكون بعد ما لم يكن إنزالا لها من خزائنه التي هي عنده ومن الغيب إلى الشهادة قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » الحجر : ـ ٢١.
وقوله : « يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ » بيان لكيفية خلق من تقدم ذكره من البشر والأنعام ، وفي الخطاب تغليب أولي العقل على غيرهم ، والخلق من بعد الخلق التوالي والتوارد كخلق النطفة علقة وخلق العلقة مضغة وهكذا ، والظلمات الثلاث هي ظلمة البطن والرحم والمشيمة كما قيل ورواه في المجمع ، عن أبي جعفر عليهالسلام.
وقيل : المراد بها ظلمة الصلب والرحم والمشيمة وهو خطأ فإن قوله : « فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ » صريح في أن المراد بالظلمات الثلاث ما في بطون النساء دون أصلاب الرجال.
وقوله : « ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ » أي الذي وصف لكم في الآيتين بالخلق والتدبير هو ربكم دون غيره لأن الرب هو المالك الذي يدبر أمر ما ملكه وإذ كان خالقا لكم ولكل شيء دونكم وللنظام الجاري فيكم فهو الذي يملككم ويدبر أمركم فهو ربكم لا غير.
وقوله : « لَهُ الْمُلْكُ » أي على جميع المخلوقات في الدنيا والآخرة فهو المليك على الإطلاق » وتقديم الظرف يفيد الحصر ، والجملة خبر بعد خبر لقوله : « ذلِكُمُ اللهُ » كما أن قوله : « لا إِلهَ إِلَّا هُوَ » ، كذلك ، وانحصار الألوهية فيه تعالى فرع انحصار الربوبية فيه