لأن الإله إنما يعبد لأنه رب مدبر فيعبد إما خوفا منه أو رجاء فيه أو شكرا له.
وقوله : « فَأَنَّى تُصْرَفُونَ » أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره وهو ربكم الذي خلقكم ودبر أمركم وهو المليك عليكم.
قوله تعالى : « إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ » إلى آخر الآية. مسوق لبيان أن الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله سبحانه ليست لحاجة منه تعالى إلى إقبالهم إليه بالانصراف عن عبادة غيره بل لعناية منه تعالى بهم فيدعوهم إلى سعادتهم اعتناء بها كما يعتني برزقهم فيفيض النعم عليهم وكما يعتني بحفظهم فيلهمهم أن يدفعوا الآفات عن أنفسهم.
فقوله : « إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ » الخطاب لعامة المكلفين أي إن تكفروا بالله فلم توحدوه فإنه غني عنكم لذاته لا ينتفع بإيمانكم وطاعتكم ولا يتضرر بكفركم ومعصيتكم فالنفع والضرر إنما يتحققان في مجال الإمكان والحاجة وأما الواجب الغني بذاته فلا يتصور في حقه انتفاع ولا تضرر.
وقوله : « وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ » دفع لما ربما يمكن أن يتوهم من قوله : « فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ » إنه إذا لم يتضرر بكفر ولم ينتفع بإيمان فلا موجب له أن يريد منا الإيمان والشكر فدفعه بأن تعلق العناية الإلهية بكم يقتضي أن لا يرضى بكفركم وأنتم عباده.
والمراد بالكفر كفر النعمة الذي هو ترك الشكر بقرينة مقابلة قوله : « وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ » وبذلك يظهر أن التعبير بقوله : « لِعِبادِهِ » دون أن يقول : لكم للدلالة على علة الحكم أعني سبب عدم الرضا.
والمحصل أنكم عباد مملوكون لله سبحانه منغمرون في نعمه ورابطة المولوية والعبودية وهي نسبة المالكية والمملوكية لا تلائمه أن يكفر العبد بنعمة سيده فينسى ولاية مولاه ويتخذ لنفسه أولياء من دونه ويعصي المولى ويطيع عدوه وهو عبد عليه طابع العبودية لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
وقوله : « وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ » الضمير للشكر نظير قوله تعالى : « اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى » المائدة : ـ ٨ والمعنى وإن تشكروا الله بالجري على مقتضى العبودية