حجابا مضروبا لا يجمعهم معه جامع وفيه تمام الإياس.
وقوله : « فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ » تفريع على ما سبق ، ولا يخلو من شوب تهديد ، وعليه فالمعنى إذا كان لا سبيل إلى التفاهم بيننا فاعمل بما يمكنك العمل به في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك.
وقيل : المعنى فاعمل على دينك فإننا عاملون على ديننا ، وقيل : المعنى فاعمل في هلاكنا فإننا عاملون في هلاكك ، ولا يخلوان من بعد.
قوله تعالى : « قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ » في مقام الجواب عن قولهم : « قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ » على ما يعطيه السياق فمحصله قل لهم : إنما أنا بشر مثلكم أعاشركم كما يعاشر بعضكم بعضا وأكلمكم كما يكلم أحدكم صاحبه فلست من جنس يباينكم كالملك حتى يكون بيني وبينكم حجاب مضروب أو لا ينفذ كلامي في آذانكم أو لا يرد قولي في قلوبكم غير أن الذي أقول لكم وأدعوكم إليه وحي يوحى إلي وهو إنما إلهكم الذي يستحق أن تعبدوه إله واحد لا آلهة متفرقون.
وقوله : « فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ » أي فإذا لم يكن إلا إلها واحدا لا شريك له فاستووا إليه بتوحيده ونفي الشركاء عنه واستغفروه فيما صدر عنكم من الشرك والذنوب.
قوله تعالى : « وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ » تهديد للمشركين الذين يثبتون لله شركاء ولا يوحدونه ، وقد وصفهم من أخص صفاتهم بصفتين هما عدم إيتائهم الزكاة وكفرهم بالآخرة.
والمراد بإيتاء الزكاة مطلق إنفاق المال للفقراء والمساكين لوجه الله فإن الزكاة بمعنى الصدقة الواجبة في الإسلام لم تكن شرعت بعد عند نزول السورة وهي من أقدم السور المكية.
وقيل : المراد بإيتاء الزكاة تزكية النفس وتطهيرها من أوساخ الذنوب وقذارتها وإنماؤها نماء طيبا بعبادة الله سبحانه ، وهو حسن لو حسن إطلاق إيتاء الزكاة على ذلك.