وقوله : « وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ » وصف آخر للمشركين هو من لوازم مذهبهم وهو إنكار المعاد ، ولذلك أتى بضمير الفصل ليفيد أنهم معروفون بالكفر بالآخرة.
قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » أي غير مقطوع بل متصل دائم كما فسره بعضهم ، وفسره آخرون بغير معدود كما قال تعالى : « يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ » المؤمن : ـ ٤٠.
وجوز أن يكون المراد أنه لا أذى فيه من المن الذي يكدر الصنيعة ، ويمكن أن يوجه هذا الوجه بأن في تسمية ما يؤتونه بالأجر دلالة على ذلك لإشعاره بالاستحقاق وإن كان هذا الاستحقاق بجعل من الله تعالى لا لهم من عند أنفسهم قال تعالى : « إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً » الدهر : ـ ٢٢.
قوله تعالى : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً » الآية. أمره ثانيا أن يستفهم عن كفرهم بالله بمعنى شركهم مع ظهور آيات وحدانية في خلق السماوات والأرض وتدبير أمرهما بعد ما أمره أولا بدفع قولهم : « قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ » إلخ.
والاستفهام للتعجيب ولذا أكد المستفهم عنه بأن واللام كأن المستفهم لا يكاد يذعن بكفرهم بالله وقولهم بالأنداد مع ظهور المحجة واستقامة الحجة.
وقوله : « وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً » تفسير لقوله : « لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ » إلخ ، والأنداد جمع ند وهو المثل ، والمراد بجعل الأنداد له اتخاذ شركاء له يماثلونه في الربوبية والألوهية.
وقوله : « ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ » في الإشارة بلفظ البعيد رفع لساحته تعالى وتنزيهه عن أمثال هذه الأوهام فهو رب العالمين المدبر لأمر الخلق أجمعين فلا مسوغ لأن يتوهم ربا آخر سواه وإلها آخر غيره.
والمراد باليوم في قوله : « خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ » برهة من الزمان دون مصداق اليوم الذي نعهده ونحن على بسيط أرضنا هذه وهو مقدار حركة الكرة الأرضية حول نفسها مرة واحدة فإنه ظاهر الفساد ، وإطلاق اليوم على قطعة من الزمان تحوي حادثة من الحوادث كثير الورود شائع الاستعمال ، ومن ذلك قوله تعالى : « وَتِلْكَ الْأَيَّامُ