قالوا : وإنما لم يجز حمل الآية على أن جعل الرواسي وما ذكر عقيبه أو تقدير الأقوات في أربعة أيام لأن لازمه كون خلق الأرض وما فيها في ستة أيام وقد ذكر بعده أن السماوات خلقت في يومين فيكون المجموع ثمانية أيام وقد تكرر في كلامه تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام فهذا هو الوجه في حمل الآية على أحد الوجوه السابقة على ما فيها من ارتكاب الحذف والتقدير.
والإنصاف أن الآية أعني قوله : « وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ » ظاهرة في غير ما ذكروه والقرائن الحافة بها تؤيد كون المراد بها تقدير أقواتها في الفصول الأربعة التي يكونها ميل الشمس الشمالي والجنوبي بحسب ظاهر الحس فالأيام الأربعة هي الفصول الأربعة.
والذي ذكر في هذه الآيات من أيام خلق السماوات والأرض أربعة أيام يومان لخلق الأرض ويومان لتسوية السماوات سبعا بعد كونها دخانا وأما أيام الأقوات فقد ذكرت أياما لتقديرها لا لخلقها ، وما تكرر في كلامه تعالى هو خلق السماوات والأرض في ستة أيام لا مجموع خلقها وتقدير أمرها فالحق أن الظرف قيد للجملة الأخيرة فقط ولا حذف ولا تقدير في الآية والمراد بيان تقدير أقوات الأرض وأرزاقها في الفصول الأربعة من السنة.
وقوله : « سَواءً لِلسَّائِلِينَ » مفعول مطلق لفعل مقدر أي استوت الأقوات المقدرة استواء للسائلين أو حال من الأقوات أي قدرها حال كونها مستوية للسائلين يقتاتون بها جميعا وتكفيهم من دون زيادة أو نقيصة.
والسائلون هم أنواع النبات والحيوان والإنسان فإنهم محتاجون في بقائهم إلى الأرزاق والأقوات فهم سائلون ربهم (١) قال تعالى : « يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » الرحمن : ـ ٢٩ ، وقال : « وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ » إبراهيم : ـ ٣٤.
قوله تعالى : « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ »
__________________
(١) ظاهر الآيتين وإن كان اختصاصهما بذوي العقول لكنهما وخاصة الثانية تفيدان أن المراد بالسؤال هو الحاجة والاستعداد وعليه فالآية تعم النبات والإتيان بضمير أولي العقل للتغليب.