الاستواء ـ على ما ذكره الراغب ـ إذا عدي بعلى أفاد معنى الاستيلاء نحو ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) ، وإذا عدي بإلى أفاد معنى الانتهاء إليه.
وأيضا في المفردات ، أن الكره بفتح الكاف المشتقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه ، والكره بضم الكاف ما تناله من ذاته وهو يعافه.
فقوله : « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ » أي توجه إليها وقصدها بالخلق دون القصد المكاني الذي لا يتم إلا بانتقال القاصد من مكان إلى مكان ومن جهة إلى جهة لتنزهه تعالى على ذلك.
وظاهر العطف بثم تأخر خلق السماوات عن الأرض لكن قيل : إن « ثُمَ » لإفادة التراخي بحسب الخبر لا بحسب الوجود والتحقق ويؤيده قوله تعالى : « أَمِ السَّماءُ بَناها ـ إلى أن قال ـ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها » النازعات : ـ ٣٢ فإنه يفيد تأخر الأرض عن السماء خلقا.
والاعتراض عليه بأن مفاده تأخر دحو الأرض عن بناء السماء ودحوها غير خلقها مدفوع بأن الأرض كروية فليس دحوها وبسطها غير تسويتها كرة وهو خلقها على أنه تعالى أشار بعد ذكر دحو الأرض إلى إخراج مائها ومرعاها وإرساء جبالها وهذه بعينها جعل الرواسي من فوقها والمباركة فيها وتقدير أقواتها التي ذكرها في الآيات التي نحن فيها مع خلق الأرض وعطف عليها خلق السماء بثم فلا مناص عن حمل ثم على غير التراخي الزماني فإن قوله في آية النازعات : « بَعْدَ ذلِكَ » أظهر في التراخي الزماني من لفظة « ثُمَ » فيه في آية حم السجدة والله أعلم.
وقوله : « وَهِيَ دُخانٌ » حال من السماء أي استوى إلى السماء بالخلق حال كونها شيئا سماه الله دخانا وهو مادتها التي ألبسها الصورة وقضاها سبع سماوات بعد ما لم تكن معدودة متميزا بعضها من بعض ، ولذا أفرد السماء فقال : « اسْتَوى إِلَى السَّماءِ ».
وقوله : « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » تفريع على استوائه إلى السماء والمورد مورد التكوين بلا شك فقوله لها وللأرض : « ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » كلمة إيجاد وأمر تكويني كقوله لشيء أراد وجوده : كن ، قال تعالى : « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ » يس : ـ ٨٣.