والسورة مكية كما يدل عليه سياق آياتها ، وقد استثنى بعضهم آيتين وهما قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ » الآية وقوله : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا » الآية وهو غير ظاهر من سياق الآيتين.
قوله تعالى : « الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » الفطر ـ على ما ذكره الراغب ـ هو الشق طولا فإطلاق الفاطر عليه تعالى بعناية استعارية كأنه شق العدم فأخرج من بطنها السماوات والأرض فمحصل معناه أنه موجد السماوات والأرض إيجادا ابتدائيا من غير مثال سابق ، فيقرب معناه من معنى البديع والمبدع والفرق بين الإبداع والفطر أن العناية في الإبداع متعلقة بنفي المثال السابق وفي الفطر بطرد العدم وإيجاد الشيء من رأس لا كالصانع الذي يؤلف مواد مختلفة فيظهر به صورة جديدة لم تكن.
والمراد بالسماوات والأرض مجموع العالم المشهود فيشملهما وما فيهما من مخلوق فيكون من قبيل إطلاق معظم الأجزاء وإرادة الكل مجازا ، أو المراد نفس السماوات والأرض اعتناء بشأنهما لكبر خلقتهما وعجيب أمرهما كما قال : « لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ » المؤمن ـ ٥٧.
وكيف كان فقوله : « فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » من أسمائه تعالى أجري صفة لله والمراد بالوصف الاستمرار دون الماضي فقط لأن الإيجاد مستمر وفيض الوجود غير منقطع ولو انقطع لانعدمت الأشياء.
والإتيان بالوصف بعد الوصف للإشعار بأسباب انحصار الحمد فيه تعالى كأنه قيل : الحمد لله على ما أوجد السماوات والأرض وعلى ما جعل الملائكة رسلا أولي أجنحة فهو تعالى محمود ما أتى فيما أتى إلا الجميل.
قوله تعالى : « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ » الملائكة جمع ملك بفتح اللام وهم موجودات خلقهم الله وجعلهم وسائط بينه وبين العالم المشهود وكلهم بأمور العالم التكوينية والتشريعية عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
فقوله تعالى : « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً » يشعر بل يدل على كون جميع الملائكة ـ والملائكة جمع محلى باللام مفيد للعموم ـ رسلا وسائط بينه وبين خلقه في إجراء