فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨).
( بيان )
هذا هو الفصل الثاني من آيات السورة يصف نشأة الثقلين الثانية وهي نشأة الرجوع إلى الله وجزاء الأعمال ويعد آلاء الله تعالى عليهم كما كانت الآيات السابقة فصلا أولا يصف النشأة الأولى ويعد آلاء الله فيها عليهم.
قوله تعالى : « سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ » يقال : فرغ فلان لأمر كذا إذا كان مشتغلا قبلا بأمور ثم تركها وقصر الاشتغال بذاك الأمر اهتماما به.
فمعنى « سَنَفْرُغُ لَكُمْ » سنطوي بساط النشأة الأولى ونشتغل بكم ، وتبين الآيات التالية أن المراد بالاشتغال بهم بعثهم وحسابهم ومجازاتهم بأعمالهم خيرا أو شرا فالفراغ لهم استعارة بالكناية عن تبدل النشأة.
ولا ينافي الفراغ لهم كونه تعالى لا يشغله شأن عن شأن فإن الفراغ المذكور ناظر إلى تبدل النشأة وكونه لا يشغله شأن عن شأن ناظر إلى إطلاق القدرة وسعتها كما لا ينافي كونه تعالى كل يوم هو في شأن الناظر إلى اختلاف الشئون كونه تعالى لا يشغله شأن عن شأن.
والثقلان الجن والإنس ، وإرجاع ضمير الجمع في « لَكُمْ » و « إِنِ اسْتَطَعْتُمْ » وغيرهما إليهما لكونهما جمعا ذا أفراد.
قوله تعالى : « يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا » إلخ ، الخطاب ـ على ما يفيده السياق ـ من خطابات يوم القيامة وهو خطاب تعجيزي.
والمراد بالاستطاعة القدرة ، وبالنفوذ من الأقطار الفرار ، والأقطار جمع قطر وهو الناحية.
والمعنى : يا معشر الجن والإنس ـ وقدم الجن لأنهم على الحركات السريعة أقدر ـ إن قدرتم أن تفروا بالنفوذ من نواحي السماوات والأرض والخروج من ملك الله والتخلص من مؤاخذته ففروا وانفذوا.