وعبادته تعالى خوفا منه بهذا المعنى من الخوف خضوع له تعالى لأنه الله ذو الجلال والإكرام لا لخوف من عقابه ولا طمعا في ثوابه بل فيه إخلاص العمل لوجهه الكريم ، وهذا المعنى من الخوف هو الذي وصف الله به المكرمين من ملائكته وهم معصومون آمنون من عقاب المخالفة وتبعة المعصية قال تعالى : « يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ » النحل : ٥٠.
فتبين مما تقدم أن الذين أشار إليهم بقوله : « وَلِمَنْ خافَ » أهل الإخلاص الخاضعون لجلاله تعالى العابدون له لأنه الله عز اسمه لا خوفا من عقابه ولا طمعا في ثوابه ، ولا يبعد أن يكونوا هم الذين سموا سابقين في قوله : « وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ـ إلى أن قال ـ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » الواقعة : ١١.
وقوله : « جَنَّتانِ » قيل : إحداهما منزله ومحل زيارة أحبابه له والأخرى منزل أزواجه وخدمه ، وقيل : بستانان بستان داخل قصره وبستان خارجه ، وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر ليكمل به التذاذه ، وقيل : جنة لعقيدته وجنة لعمله ، وقيل : جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي ، وقيل : جنة جسمانية وجنة روحانية وهذه الأقوال ـ كما ترى ـ لا دليل على شيء منها.
وقيل : جنة يثاب بها وجنة يتفضل بها عليه ، ويمكن أن يستشعر ذلك من قوله تعالى : « لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ » ق : ٣٥ ، على ما مر في تفسيره.
قوله تعالى : « ذَواتا أَفْنانٍ » ذواتا تثنية ذات ، و « أَفْنانٍ » إما جمع فن بمعنى النوع والمعنى : ذواتا أنواع من الثمار ونحوها ، وإما جمع فنن بمعنى الغصن الرطب اللين والمعنى : ذواتا أغصان لينة أشجارهما.
قوله تعالى : « فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ » وقد أبهمت العينان وفيه دلالة على فخامة أمرهما.
قوله تعالى : « فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ » أي صنفان قيل : صنف معروف لهم شاهدوه في الدنيا وصنف غير معروف لم يروه في الدنيا ، وقيل : غير ذلك ، ولا دلالة في الكلام على شيء من ذلك.
قوله تعالى : « مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ » إلخ ، الفرش جمع فراش ، والبطائن جمع بطانة وهي داخل الشيء وجوفه مقابل الظهائر جمع ظهارة ، والإستبرق الحرير الغليظ قال في المجمع ، ذكر البطانة ولم يذكر الظهارة لأن البطانة تدل على أن لها ظهارة والبطانة دون الظهارة فدل على أن الظهارة فوق الإستبرق ، انتهى.