« مُتَقابِلِينَ » حال آخر منه أو من ضمير « مُتَّكِئِينَ » وتقابلهم كناية عن بلوغ أنسهم وحسن عشرتهم وصفاء باطنهم فلا ينظرون في قفاء صاحبهم ولا يعيبونه ولا يغتابونه.
والمعنى : هم أي المقربون مستقرون على سرر منسوجة حال كونهم متكئين عليها حال كونهم متقابلين.
قوله تعالى : « يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ » الولدان جمع ولد وهو الغلام ، وطوافهم عليهم كناية عن خدمتهم لهم ، والمخلدون من الخلود بمعنى الدوام أي باقون أبدا على هيئتهم من حداثة السن ، وقيل من الخلد بفتحتين وهو القرط ، والمراد أنهم مقرطون بالخلد.
قوله تعالى : « بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ » الأكواب جمع كوب وهو الإناء الذي لا عروة له ولا خرطوم ، والأباريق جمع إبريق وهو الإناء الذي له خرطوم ، وقيل : عروة وخرطوم معا ، والكأس معروف ، قيل : أفرد الكأس لأنها لا تسمى كأسا إلا إذا كانت ممتلئة ، والمراد بالمعين الخمر المعين وهو الظاهر للبصر الجاري.
قوله تعالى : « لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ » أي لا يأخذهم صداع لأجل خمار يحصل من الخمر كما في خمر الدنيا ولا يزول عقلهم بالسكر الحاصل منها.
قوله تعالى : « وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ » الفاكهة والطير معطوفان على قوله : « بِأَكْوابٍ » ، والمعنى : يطوف عليهم الولدان بفاكهة مما يختارون وبلحم طير مما يشتهون.
ولا يستشكل بما ورد في الروايات أن أهل الجنة إذا اشتهوا فاكهة تدلى إليهم غصن شجرتها بما لها من ثمرة فيتناولونها ، وإذا اشتهوا لحم طير وقع مقليا مشويا في أيديهم فيأكلون منها ما أرادوا ثم حيي وطار.
وذلك لأن لهم ما شاءوا ومن فنون التنعم تناول ما يريدونه من أيدي خدمهم وخاصة حال اجتماعهم واحتفالهم كما أن من فنونه تناولهم أنفسهم من غير توسيط خدمهم فيه.
قوله تعالى : « وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ » مبتدأ محذوف الخبر على ما يفيده السياق والتقدير ولهم حور عين أو وفيها حور عين والحور العين نساء الجنة وقد تقدم معنى الحور العين في تفسير سورة الدخان.
وقوله : « كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ » أي اللؤلؤ المصون المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي فهو منته في صفائه.