الامتنان ومن المعلوم أن الذي ينافي الامتنان هو النقص في ثواب الآباء الملحق بهم دون الذرية.
فتحصل أن قوله : « وَالَّذِينَ آمَنُوا » إلخ ، استئناف يمتن تعالى فيه على الذين آمنوا بأنه سيلحق بهم أولادهم الذين اتبعوهم بنوع من الإيمان وإن كان قاصرا عن درجة إيمانهم لتقر به أعينهم ، ولا ينقص مع ذلك من ثواب عمل الآباء بالإلحاق شيء بل يؤتيهم مثل ما آتاهم أو بنحو لا تزاحم فيه على ما هو أعلم به.
وفي معنى الآية أقوال أخر لا تخلو من سخافة كقول بعضهم إن قوله : « وَالَّذِينَ آمَنُوا » معطوف على « بِحُورٍ عِينٍ » والمعنى : وزوجناهم بحور عين وبالذين آمنوا يتمتعون من الحور العين بالنكاح وبالذين آمنوا بالرفاقة والصحبة ، وقول بعضهم : إن المراد بالذرية صغار الأولاد فقط ، وقول بعضهم : إن الضميرين في « وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » للذرية والمعنى : وما نقصنا الذرية من عملهم شيئا بسبب إلحاقهم بآبائهم بل نوفيهم أعمالهم من خير أو شر ثم نلحقهم بآبائهم.
وقوله : « كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » تعليل لقوله : « وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » على ما يفيده السياق ، والرهن والرهين والمرهون ما يوضع وثيقة للدين على ما ذكره الراغب قال : ولما كان الرهن يتصور منه حبسه أستعير ذلك لحبس أي شيء كان. انتهى.
ولعل هذا المعنى الاستعاري هو المراد في الآية والمرء رهن مقبوض ومحفوظ عند الله سبحانه بما كسبه من خير أو شر حتى يوفيه جزاء ما عمله من ثواب أو عقاب فلو نقص شيئا من عمله ولم يوفه ذلك لم يكن رهين ما كسب بل رهين بعض ما عمل وامتلك بعضه الآخر غيره كذريته الملحقين به.
وأما قوله تعالى : « كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ » المدثر : ٣٩ ، فالمراد كونها رهينة العذاب يوم القيامة كما يشهد به سياق ما بعده من قوله : « فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ » المدثر : ٤١.
وقيل : المراد كون المرء رهين عمله السيئ كما تدل عليه آية سورة المدثر المذكورة آنفا بشهادة استثناء أصحاب اليمين ، والآية أعني قوله : « كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » جملة معترضة من صفات أهل النار اعترضت في صفات أهل الجنة.