وحمل صاحب الكشاف الآية على نوع من الاستعارة فرفع به التنافي بين الآيتين قال : كان نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه فإن عمل صالحا فكها وخلصها وإلا أوبقها. انتهى.
وأنت خبير بأن مجرد ما ذكره لا يوجه اتصال الجملة أعني قوله : « كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » بما قبلها.
قوله تعالى : « وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ » بيان لبعض تتماتهم وتمتعاتهم في الجنة المذكورة إجمالا في قوله السابق : « كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً » إلخ.
والإمداد الإتيان بالشيء وقتا بعد وقت ويستعمل في الخير كما أن المد يستعمل في الشر قال تعالى : « وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا » مريم : ٧٩.
والمعنى : أنا نرزقهم بالفاكهة وما يشتهونه من اللحم رزقا بعد رزق ووقتا بعد وقت من غير انقطاع.
قوله تعالى : « يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ » التنازع في الكأس تعاطيها والاجتماع على تناولها ، والكأس القدح ولا يطلق الكأس إلا فيما كان فيها الشراب.
والمراد باللغو لغو القول الذي يصدر من شاربي الخمر في الدنيا ، والتأثيم جعل الشخص ذا إثم وهو أيضا من آثار الخمر في الدنيا ، ونفي اللغو والتأثيم هو القرينة على أن المراد بالكأس التي يتنازعون فيها كأس الخمر.
قوله تعالى : « وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ » المراد به طوافهم عليهم للخدمة قال بعضهم : قيل : « غِلْمانٌ لَهُمْ » بالتنكير ولم يقل : غلمانهم لئلا يتوهم أن المراد بهم غلمانهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فهم كالحور من مخلوقات الجنة كأنهم لؤلؤ مكنون مخزون في الحسن والصباحة والصفا.
قوله تعالى : « وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ » أي يسأل كل منهم غيره عن حاله في الدنيا وما الذي ساقه إلى الجنة والنعيم؟.
قوله تعالى : « قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ » قال الراغب : والإشفاق عناية مختلطة بخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه قال تعالى : « وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ