قوله تعالى : « لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ » دفع لما ربما يمكن أن يتوهم عذرا لإلقاء المودة إليهم إن في ذلك صيانة لأرحامهم وأولادهم الذين تركوهم بمكة بين المشركين من أذاهم.
والجواب أن أمامكم يوما تجازون فيه على معصيتكم وطالح عملكم ومنه موالاة الكفار ولا ينفعكم اليوم أرحامكم ولا أولادكم الذين قدمتم صيانتهم من أذى الكفار على صيانة أنفسكم من عذاب الله بترك موالاة الكفار.
وقوله : « يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ » أي يفصل الله يوم القيامة بينكم بتقطع الأسباب الدنيوية كما قال تعالى : « فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ » المؤمنون : ١٠١ ، وذلك أن القرابة وهي انتهاء إنسانين أو أكثر إلى رحم واحدة إنما تؤثر آثارها من الرحمة والمودة والألفة والمعاونة والمعاضدة والعصبية والخدمة وغير ذلك من الآثار في ظرف الحياة الاجتماعية التي تسوق الإنسان إليه حاجته إليها بالطبع بحسب الآراء والعقائد الاعتبارية التي أوجدها فيه فهمه الاجتماعي ، ولا خبر عن هذه الآراء في الخارج عن ظرف الحياة الاجتماعية.
وإذا برزت الحقائق وارتفع الحجاب وانكشف الغطاء يوم القيامة ضلت عن الإنسان هذه الآراء والمزاعم وانقطعت روابط الاستقلال بين الأسباب ومسبباتها كما قال تعالى : « لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ » الأنعام : ٩٤ ، وقال : « وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ » البقرة : ١٦٦.
فيومئذ تتقطع رابطة الأنساب ولا ينتفع ذو قرابة من قرابته شيئا فلا ينبغي للإنسان أن يخون الله ورسوله بموالاة أعداء الدين لأجل أرحامه وأولاده فليسوا يغنونه عن الله يومئذ.
وقيل : المراد أنه يفرق الله بينكم يوم القيامة بما فيه من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر حسبما نطق به قوله تعالى : « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ » عبس : ٣٧ ، والوجه السابق أنسب للمقام.
وقيل : المراد أنه يميز بعضكم يومئذ من بعض فيدخل أهل الإيمان والطاعة الجنة ، وأهل الكفر والمعصية النار ولا يرى القريب المؤمن في الجنة قريبه الكافر في النار.
وفيه أنه وكان لا بأس به في نفسه لكنه غير مناسب للمقام إذ لا دلالة في المقام على