من خصاله ـ مستثنى منها بل إنما سيق لإيجاب التأسي به في تبريه من قومه المشركين ، والوعد بالاستغفار رجاء للتوبة والإيمان ليس من التبري وإن كان ليس توليا أيضا.
وقوله : « وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ » تتمة قول إبراهيم عليهالسلام ، وهو بيان لحقيقة الأمر من أن سؤاله المغفرة وطلبها من الله ليس من نوع الطلب الذي يملك فيه الطالب من المطلوب منه ما يطلبه ، وإنما هو سؤال يدعو إليه فقر العبودية وذلتها قبال غنى الربوبية وعزتها فله تعالى أن يقبل بوجهه الكريم فيستجيب ويرحم ، وله أن يعرض ويمسك الرحمة فإنه لا يملك أحد منه تعالى شيئا وهو المالك لكل شيء ، قال تعالى : « قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً » المائدة : ١٧.
وبالجملة قوله : « ما أَمْلِكُ » إلخ ، نوع اعتراف بالعجز استدراكا لما يستشعر من قوله : « لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ » من شائبة إثبات القدرة لنفسه نظير قول شعيب عليهالسلام : « وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ » استدراكا لما يشعر به قوله لقومه : « إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ » هود : ٨٨ ، من إثبات القوة والاستطاعة لنفسه بالأصالة والاستقلال.
وقوله : « رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » إلخ ، من تمام القول المنقول عن إبراهيم والذين معه المندوب إلى التأسي بهم فيه ، وهو دعاء منهم لربهم وابتهال إليه إثر ما تبرءوا من قومهم ذاك التبري العنيف ليحفظهم من تبعاته ويغفر لهم فلا يخيبهم في إيمانهم.
وقد افتتحوا دعاءهم بتقدمة يذكرون فيها حالهم فيما هم فيه من التبري من أعداء الله فقالوا : « رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا » يعنون به أنا كنا في موقف من الحياة تتمكن فيه أنفسنا وندبر فيه أمورنا أما أنفسنا فأنبنا ورجعنا بها إليك وهو الإنابة ، وأما أمورنا التي كان علينا تدبيرها فتركناها لك وجعلنا مشيتك مكان مشيتنا فأنت وكيلنا فيها تدبرها بما تشاء وكيف تشاء وهو التوكل.
ثم قالوا : « وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » يعنون به أن مصير كل شيء من فعل أو فاعل فعل إليك فقد جرينا في توكلنا عليك وإنابتنا إليك مجرى ما عليه حقيقة الأمر من مصير كل شيء إليك حيث هاجرنا بأنفسنا إليك وتركنا تدبير أمورنا لك.
وقوله : « رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا » متن دعائهم يسألونه تعالى أن يعيذهم من تبعة تبريهم من الكفار ويغفر لهم.