والفتنة ما يمتحن به ، والمراد بجعلهم فتنة للذين كفروا تسليط الكفار عليهم ليمتحنهم فيخرجوا ما في وسعهم من الفساد فيؤذوهم بأنواع الأذى أن آمنوا بالله ورفضوا آلهتهم وتبرءوا منهم ومما يعبدون.
وقد كرروا نداءه تعالى ـ ربنا ـ في دعائهم مرة بعد مرة لإثارة الرحمة الإلهية.
وقوله : « إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » أي غالب غير مغلوب متقن لأفعاله لا يعجز أن يستجيب دعاءهم فيحفظهم من كيد أعدائه ويعلم بأي طريق يحفظ.
وللمفسرين في تفسير الآيتين أنظار مختلفة أخرى أغمضنا عن إيرادها رعاية للاختصار من أرادها فليراجع المطولات.
قوله تعالى : « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ » إلخ ، تكرار حديث الأسوة لتأكيد الإيجاب ولبيان أن هذه الأسوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، وأيضا أنهم كما يتأسى بهم في تبريهم من الكفار كذلك يتأسى بهم في دعائهم وابتهالهم.
والظاهر أن المراد برجائه تعالى رجاء ثوابه بالإيمان به وبرجاء اليوم الآخر رجاء ما وعد الله وأعد للمؤمنين من الثواب ، وهو كناية عن الإيمان.
وقوله : « وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » استغناء منه تعالى عن امتثالهم لأمره بتبريهم من الكفار وأنهم هم المنتفعون بذلك والله سبحانه غني في ذاته عنهم وعن طاعتهم حميد فيما يأمرهم وينهاهم إذ ليس في ذلك إلا صلاح حالهم وسعادة حياتهم.
قوله تعالى : « عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » ضمير « مِنْهُمْ » للكفار الذين أمروا بمعاداتهم وهم كفار مكة ، والمراد بجعل المودة بين المؤمنين وبينهم جعلها بتوفيقهم للإسلام كما وقع ذلك لما فتح الله لهم مكة ، وليس المراد به نسخ حكم المعاداة والتبري.
والمعنى : مرجو من الله أن يجعل بينكم معشر المؤمنين وبين الذين عاديتم من الكفار وهم كفار مكة مودة بتوفيقهم للإسلام فتنقلب المعاداة مودة والله قدير والله غفور لذنوب عباده رحيم بهم إذا تابوا وأسلموا فعلى المؤمنين أن يرجوا من الله أن يبدل معاداتهم مودة بقدرته ومغفرته ورحمته.
قوله تعالى : « لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ