بالدين وأحكامه الثابتة بالضرورة ، فإن الآيات المتعرضة لها الناهية عنها تأبى شمول المغفرة لها من غير توبة ، ومثلها قتل النفس المحترمة ظلما والفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل ، واستباحة الدماء والأعراض والأموال.
ومن المعلوم أن المحذور إمكان تعلق المغفرة بأمثال هذه المعاصي والذنوب لا فعلية تعلقها بها فلا يدفع بأن الله سبحانه يحفظ هذا المكلف المغفور له من اقتراف أمثال هذه المعاصي والذنوب وإن كان غفر له لو اقترف.
وثانيا : أن يخصص قوله : اعملوا ما شئتم عمومات جميع الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات من حيث المتعلق فلا يعم شيء منها البدريين ولا يتعلق بهم ، ولو كان كذلك لكان معروفا عند الصحابة مسلما لهم أن هؤلاء العصابة محررون من كل تكليف ديني مطلقون من قيد وظائف العبودية وكان البدريون أنفسهم أحق برعاية معنى التحرير فيما بينهم أنفسهم على ما له من الأهمية ، ولا شاهد يشهد بذلك في المروي من أخبارهم والمحفوظ من آثارهم بل المستفاد من سيرهم وخاصة في خلال الفتن الواقعة بعد رحلة النبي صلىاللهعليهوآله خلاف ذلك بما لا يسع لأحد إنكاره.
على أن تحرير قوم ذوي عدد من الناس وإطلاقهم من قيد التكليف لهم أن يفعلوا ما يشاءون وأن لا يبالوا بمخالفة الله ورسوله وإن عظمت ما عظمت يناقض مصلحة الدعوة الدينية وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبث المعارف الإلهية التي جاء بها الرسول بالرواية عنه إذ لا يبقى للناس بهم وثوق فيما يقولون ويروون من حكم الله ورسوله أن لا ضير عليهم ولو أتوا بكل كذب افتراء أو اقترفوا كل منكر وفحشاء والناس يعلمون منهم ذلك.
ويجري ذلك في النبي صلىاللهعليهوآله وهو سيد أهل بدر وقد أرسله (١) الله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فكيف تطمئن القلوب إلى دعوة من يجوز تلبسه بكل كذب وافتراء ومنكر وفحشاء؟ وأنى تسلم النفوس له الاتصاف بتلك الصفات الكريمة التي مدحه الله بها؟ بل كيف يجوز في حكمته تعالى أن يقلد الشهادة والدعوة من لا يؤمن في حال أو مقال ، ويعده سراجا منيرا وهو تعالى قد أباح له أن يحيي الباطل كما
__________________
(١) الآية ٤٥ ـ ٤٦ من سورة الأحزاب.