ينير الحق وأذن له في أن يضل الناس وقد بعثه ليهديهم والآيات المتعرضة لعصمة الأنبياء وحفظ الوحي تأبى ذلك كله.
على أن ذلك يفسد استقامة الخطاب في كثير من الآيات التي فيها عتاب الصحابة والمؤمنين على بعض تخلفاتهم كالآيات النازلة في وقعة أحد والأحزاب وحنين وغيرها المعاتبة لهم على انهزامهم وفرارهم من الزحف وقد أوعد الله عليه النار.
ومن أوضح الآيات في ذلك آيات الإفك وفي أهل الإفك مسطح بن أثاثة البدري وفيها قوله تعالى : « لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ » ولم يستثن أحدا منهم ، وقوله : « وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ » وقوله : « يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ».
ومن أوضح الآيات في عدم ملاءمة معناها للرواية نفس هذه الآيات التي تذكر الرواية سبب نزولها : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » الآيات وفيها مثل قوله تعالى : « وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ » وقوله : « وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ».
فمن المعلوم أن الآيات إنما وجهت الخطاب والعتاب إلى عامة الذين آمنوا وتنسب إلقاء المودة وإسرار مودة الكفار إلى المؤمنين بما أن بعضهم وهو حاطب بن أبي بلتعة اتخذ الكفار أولياء وخان الإسلام والمسلمين فنسبت الآيات فعل البعض إلى الكل ووجهت العتاب والتهديد إلى الجميع.
فلو كان حاطب وهو بدري محرر مرفوع عنه القلم مخاطبا بمثل قوله : اعمل ما شئت فقد غفرت لك لا إثم عليه فيما يفعل ولا ضلال في حقه ولا يتصف بظلم ولا يتعلق به عتاب ولا تهديد فأي وجه لنسبة فعل البعض بما له من الصفات غير المرضية إلى الكل ولا صفة غير مرضية لفعل هذا البعض على الفرض.
فيئول الأمر إلى فرض أن يأتي البعض بفعل مأذون له فيه لا عتاب عليه ولا لوم يعتريه ويعاتب الكل ويهددوا عليه وبعبارة أخرى أن يؤذن لفاعل في معصية ثم يعاتب عليها غيره ولا صنع له فيها ويجل كلامه تعالى عن مثل ذلك.
وفيه ، أخرج البخاري وابن المنذر والنحاس والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت أبي بكر قالت : أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش ـ إذ عاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوآله فسألت النبي صلىاللهعليهوآله أأصلها؟ فأنزل الله « لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ »