قوله تعالى : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ » إلخ ، إطفاء النور إبطاله وإذهاب شروقه ، وإطفاء النور بالأفواه إنما هو بالنفخ بها.
وقد وقعت الآية في سورة التوبة وفيها : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ » قال الراغب : قال تعالى : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ » « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ » والفرق بين الموضعين أن في قوله : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا » يقصدون إطفاء نور الله ، وفي قوله : « لِيُطْفِؤُا » يقصدون أمرا يتوصلون به إلى إطفاء نور الله. انتهى ومحصله أن متعلق الإرادة في قوله : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ » نفس الإطفاء ، وفي قوله : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ » السبب الموصل إلى الإطفاء وهو النفخ بالأفواه والإطفاء غرض وغاية.
والآية وما يتلوها كالشارح لمعنى ما تقدم في الآية السابقة من ظلمهم برمي الدعوة بالسحر وعدم هدايته تعالى لهم بما أنهم ظالمون ، والمحصل أنهم يريدون إطفاء نور الله بنفخة أفواههم لكن الله لا يهديهم إلى مقصدهم بل يتم نوره ويظهر دينه على الدين كله.
فقوله : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ » أي بالنفخ بالأفواه كما يطفأ الشمعة بالنفخة كناية عن أنهم زعموا أن نور الله وهو دينه نور ضعيف كنور الشمعة يطفأ بأدنى نفخة فرموه بالسحر وانقطاع نسبته إلى الله.
وقد أخطئوا في مزعمتهم فهو نور الله الذي لا يطفأ وقد شاء أن يتمه ولو كره الكافرون والله بالغ أمره ، وهو قوله : « وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ».
قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » الإضافة في « دِينِ الْحَقِ » بيانية كما قيل ، والظاهر أنها في الأصل إضافة لامية بعناية لطيفة هي أن لكل من الحق والباطل دينا يقتضيه ويختص به ، وقد ارتضى الله تعالى الدين الذي للحق ـ وهو الحق تعالى ـ فأرسل رسوله.
وإظهار شيء على غيره نصرته وتغليبه عليه ، والمراد بالدين كله كل سبيل مسلوك غير سبيل الله الذي هو الإسلام والآية في مقام تعليل قوله في الآية السابقة : « وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ » ، والمعنى : والله متم نوره لأنه هو الذي أرسل رسوله بنوره الذي هو الهدى ودين الحق ليجعله غالبا على جميع الأديان ولو كره المشركون من أهل الأوثان.
ويستفاد من الآيتين أن دين الحق نور الله في الأرض كما يستفاد ذلك من قوله : « مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » الآية : النور : ٣٥ ، وقد تقدم في تفسير الآية.