ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساؤكم وأيتم صبيانكم ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم. ثم قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
وكان في القوم زيد بن أرقم وكان غلاما قد راهق ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله في ظل شجرة في وقت الهاجرة ـ وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار ـ فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لعلك وهمت يا غلام ، قال : لا والله ما وهمت. قال : فلعلك غضبت عليه؟ قال : لا والله ما غضبت عليه ، قال : فلعله سفه عليك ، فقال : لا والله.
فقال رسول الله لشقران مولاه : أحدج فأحدج راحلته وركب وتسامع الناس بذلك فقالوا : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ليرحل في مثل هذا الوقت ، فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال : وعليك السلام ، فقال : ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت ، فقال : أوما سمعت قولا قال صاحبكم؟ قال : وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟ قال : عبد الله بن أبي زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فقال : يا رسول الله فإنك وأصحابك الأعز ـ وهو وأصحابه الأذل.
فسار رسول الله صلىاللهعليهوآله يومه كله لا يكلمه أحد ـ فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه ـ فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئا من ذلك ـ فقالوا : فقم بنا إلى رسول الله ـ حتى نعتذر إليه فلوى عنقه.
فلما جن الليل سار رسول الله صلىاللهعليهوآله ليله كله فلم ينزلوا إلا للصلاة فلما كان من الغد نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله ونزل أصحابه وقد أمهدهم (١) الأرض من السفر الذي أصابهم فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فحلف عبد الله له أنه لم يقل ذلك ، وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأنك لرسول الله وإن زيدا قد كذب علي ، فقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله منه وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له : كذبت على عبد الله سيدنا.
فلما رحل رسول الله صلىاللهعليهوآله كان زيد معه يقول : اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله بن أبي فما سار إلا قليلا حتى أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله ما كان يأخذه من البرحاء (٢)
__________________
(١) أمهدهم الأرض : أي صارت لهم مهادا فناموا.
(٢) البرحاء : حالة شبه الإغماء كانت تأخذ النبي صلىاللهعليهوآله عند نزول الوحي.