قال زيد بن أرقم : فلما وافى رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة ـ جلست في البيت لما بي من الهم والحياء ـ فنزلت سورة المنافقون في تصديق زيد ـ وتكذيب عبد الله بن أبي. ثم أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بأذن زيد ـ فرفعه عن الرحل ثم قال : يا غلام صدق فوك ، ووعت أذناك ، ووعى قلبك ، وقد أنزل الله فيما قلت قرآنا.
وكان عبد الله بن أبي بقرب المدينة ـ فلما أراد أن يدخلها ـ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي ـ حتى أناخ على مجامع طرق المدينة ـ فقال : ما لك ويلك؟ فقال : والله لا تدخلها إلا بإذن رسول الله ـ ولتعلمن اليوم من الأعز؟ ومن الأذل؟ فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ فأرسل إليه أن خل عنه يدخل فقال : أما إذا جاء أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله فنعم فدخل ـ فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات.
فلما نزلت هذه الآيات وبان كذب عبد الله ـ قيل له : نزل فيك آي شداد ـ فاذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يستغفر لك ـ فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أؤمن فقد آمنت ـ وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت ـ فما بقي إلا أن أسجد لمحمد ـ فنزل : « وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ـ إلى قوله ـ لا يَعْلَمُونَ ».
أقول : ما أورده من القصة مأخوذ من روايات مختلفة مروية عن زيد بن أرقم وابن عباس وعكرمة ومحمد بن سيرين وابن إسحاق وغيرهم دخل حديث بعضهم في بعض.
وفي تفسير القمي : في قوله تعالى : « إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ » الآية ـ قال : قال : نزلت في غزوة المريسيع ـ وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله خرج إليها ـ فلما رجع منها نزل على بئر وكان الماء قليلا فيها.
وكان أنس بن سيار حليف الأنصار ، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا لعمر بن الخطاب فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو سيار بدلو جهجاه ـ فقال سيار : دلوي وقال جهجاه : دلوي فضرب جهجاه على وجه سيار فسال منه الدم ـ فنادى سيار بالخزرج ونادى جهجاه بقريش ـ وأخذ الناس السلاح وكاد أن تقع الفتنة.
فسمع عبد الله بن أبي النداء فقال : ما هذا؟ فأخبروه بالخبر فغضب غضبا شديدا ـ ثم قال : قد كنت كارها لهذا المسير إني لأذل العرب ـ ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا ـ فلا يكن عندي تغيير.
ثم أقبل على أصحابه فقال : هذا عملكم ـ أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ـ