( بيان )
تنبيه للمؤمنين أن يتجنبوا عن بعض الصفات التي تورث النفاق وهو التلهي بالمال والأولاد والبخل.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ » إلخ ، الإلهاء الإشغال ، والمراد بالهاء الأموال والأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلق بها بحيث يوجب الإعراض عن التوجه إلى الله بما أنها زينة الحياة الدنيا ، قال تعالى : « الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا » الكهف : ٤٦ ، والاشتغال بها يوجب خلو القلب عن ذكر الله ونسيانه تعالى فلا يبقى له إلا القول من غير عمل وتصديق قلبي ونسيان العبد لربه يستعقب نسيانه تعالى له ، قال تعالى : « نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ » التوبة : ٦٧ ، وهو الخسران المبين ، قال تعالى في صفة المنافقين : « أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ » البقرة : ١٦.
وإليه الإشارة بما في ذيل الآية من قوله : « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ».
والأصل هو نهي المؤمنين عن التلهي بالأموال والأولاد وتبديله من نهي الأموال والأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أن من طبعها الإلهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائي آكد من التصريح.
قوله تعالى : « وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ » إلخ ، أمر بالإنفاق في البر أعم من الإنفاق الواجب كالزكاة والكفارات أو المندوب ، وتقييده بقوله : « مِنْ ما رَزَقْناكُمْ » للإشعار بأن أمره هذا ليس سؤالا لما يملكونه دونه ، وإنما هو شيء هو معطيه لهم ورزق هو رازقه وملك هو ملكهم إياه من غير أن يخرج عن ملكه يأمرهم بإنفاق شيء منه فيما يريد فله المنة عليهم في كل حال.
وقوله : « مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ » أي فينقطع أمد استطاعته من التصرف في ماله بالإنفاق في سبيل الله.
وقوله : « فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » عطف على قوله : « أَنْ يَأْتِيَ » إلخ ، وتقييد الأجل بالقريب للإشعار بأنه قانع بقليل من التمديد ـ وهو مقدار ما يسع