قوله تعالى : « أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى » لما سجل في الآيات السابقة صدق النبي صلىاللهعليهوآله وأنه وحي يوحى إليه وترتب عليه حقية النبوة المبنية على التوحيد ونفي الشركاء ، فرع عليه الكلام في الأوثان : اللات والعزى ومناة وهي عند المشركين تماثيل للملائكة بدعوى أنهم إناث أو بعضها للملائكة وبعضها للإنسان كما قاله بعضهم ونفي ربوبيتها وألوهيتها واستقلال الملائكة الذين هم أرباب الأصنام في الشفاعة وأنوثيتهم وأشار إلى حقائق أخرى تنتج المعاد وجزاء الأعمال.
واللات والعزى ومناة أصنام ثلاث كانت معبودة لعرب الجاهلية ، وقد اختلفوا في وصف صورها ، وفي موضعها الذي كانت منصوبة عليه ، وفي من يعبدها من العرب ، وفي الأسباب التي أوجبت عبادتهم لها ، وهي أقوال متدافعة لا سبيل إلى الاعتماد على شيء منها ، والمتيقن منها ما أوردناه.
والمعنى : إذا كان الأمر على ما ذكرناه من حقية الدعوة وصدق النبي صلىاللهعليهوآله في دعوى الوحي والرسالة من عند الله سبحانه فأخبروني عن اللات والعزى ومناة التي هي ثالثة الصنمين وغيرهما وهي التي تدعون أنها أصنام الملائكة الذين هم بنات الله على زعمكم ـ.
قوله تعالى : « أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى » استفهام إنكاري مشوب بالاستهزاء ، وقسمة ضيزى أي جائرة غير عادلة.
والمعنى : إذا كان كذلك وكانت أرباب هذه الأصنام من الملائكة بنات الله ، وأنتم لا ترضون لأنفسكم إلا الذكر من الأولاد فهل لكم الذكر ولله سبحانه الأنثى من الأولاد؟ تلك القسمة إذا قسمة جائرة غير عادلة ـ استهزاء ـ.
قوله تعالى : « إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ » إلخ ، ضمير « هِيَ » للات والعزى ومناة أو لها بما هي أصنام ، وضمير « سَمَّيْتُمُوها » للأسماء وتسمية الأسماء جعلها أسماء ، والمراد بالسلطان البرهان.
والمعنى : ليست هذه الأصنام الآلهة إلا أسماء جعلتموها أسماء لها أنتم وآباؤكم ليست لهذه الأسماء وراءها مصاديق ومسميات ما أنزل الله معها برهانا يستدل به على ربوبيتها وألوهيتها.
ومحصل الآية الرد على المشركين بعدم الدليل على ألوهية آلهتهم.
وقوله : « إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ » ما موصولة والضمير العائد