في السماوات لا تؤثر شفاعتهم أثرا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء منهم أي من الملائكة ويرضى بشفاعته.
وقيل : المراد بمن يشاء ويرضى الإنسان ، والمعنى : إلا من بعد أن يأذن الله في شفاعة من يشاء أن يشفع له من الإنسان ويرضى ، وكيف يأذن ويرضى بشفاعة من كفر به وعبد غيره؟.
والآية تثبت الشفاعة للملائكة في الجملة ، وتقيد شفاعتهم بالإذن والرضا من الله سبحانه.
قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى » رد لقولهم بأنوثية الملائكة بعد رد قولهم بشفاعتهم.
والمراد بتسميتهم الملائكة تسمية الأنثى قولهم : إن الملائكة بنات الله فالمراد بالأنثى الجنس أعم من الواحد والكثير.
وقيل : إن الملائكة في معنى استغراق المفرد فيكون التقدير ليسمون كل واحد من الملائكة تسمية الأنثى أي يسمونه بنتا فالكلام على وزان كسانا الأمير حلة أي كسا كل واحد منا حلة.
قال بعضهم : في تعليق التسمية بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها في الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة في الآخرة بحيث لا يجترئ عليها إلا من لا يؤمن بها رأسا. انتهى.
قوله تعالى : « وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً » العلم هو التصديق المانع من النقيض ، والظن هو التصديق الراجح ويسمى المرجوح وهما ، وقولهم بأنوثية الملائكة كما لم يكن معلوما لهم كذلك لم يكن مظنونا إذ لا سبيل إلى ترجيح القول به على خلافه لكنه لما كان عن هوى أنفسهم أثبته الهوى في أنفسهم وزينه لهم فلم يلتفتوا إلى خلافه ، وكلما لاح لهم لائح خلافه أعرضوا عنه وتعلقوا بما يهوونه ، وبهذه العناية سمي ظنا وهو في الحقيقة تصور فقط.
وبهذا يظهر استقامة قول من قال : إن الظن في هذه الآية وفي قوله السابق : « إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ » بمعنى التوهم دون الاعتقاد الراجح وأيد بما يظهر من كلام الراغب : إن الظن ربما يطلق على التوهم.
وقوله : « إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً » الحق ما هو عليه الشيء وظاهر أنه لا يدرك إلا بالعلم الذي هو الاعتقاد المانع من النقيض لا غير وأما غير العلم مما فيه احتمال