إلى بيان وجه الحق فيها ، وإلى ما هو الحق الصريح فيما تعرض له الفصل السابق من أباطيل المشركين من أنهم إنما يعبدون الأصنام لأنها تماثيل الملائكة الذين هم بنات الله يعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله سبحانه وقد أبطلتها الآيات السابقة أوضح الإبطال.
وقد أوضحت هذه الآيات ما هو وجه الحق في الربوبية والألوهية وهو أن الخلق والتدبير لله سبحانه ، إليه ينتهي كل ذلك ، وأنه خلق ما خلق ودبر ما دبر خلقا وتدبيرا يستعقب نشأة أخرى فيها جزاء الكافر والمؤمن والمجرم والمتقي ومن لوازمه تشريع الدين وتوجيه التكاليف وقد فعل ، ومن شواهده إهلاك من أهلك من الأمم الدارجة الطاغية كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكة.
ثم عقب سبحانه هذا الذي نقله عن صحف النبيين الكريمين بالتنبيه على أن هذا النذير من النذر الأولى الخالية وأن الساعة قريبة ، وخاطبهم بالأمر بالسجود لله والعبادة ، وبذلك تختتم السورة.
قوله تعالى : « أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى » التولي هو الإعراض والمراد به بقرينة الآية التالية الإعراض عن الإنفاق في سبيل الله ، والإعطاء الإنفاق والإكداء قطع العطاء ، والتفريع الذي في قوله : « أَفَرَأَيْتَ » مبني على ما قدمنا من تفرع مضمون هذه الآيات على ما قبلها.
والمعنى : فأخبرني عمن أعرض عن الإنفاق وأعطى قليلا من المال وأمسك بعد ذلك أشد الإمساك.
قوله تعالى : « أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى » الضمائر لمن تولى والاستفهام للإنكار والمعنى : أيعلم الغيب فيترتب عليه أن يعلم أن صاحبه يتحمل عنه ذنوبه ويعذب مكانه يوم القيامة لو استحق العذاب. كذا فسروا.
والظاهر أن المراد نفي علمه بما غاب عنه من مستقبل حاله في الدنيا والمعنى : أيعلم الغيب فهو يعلم أنه لو أنفق ودام على الإنفاق نفد ماله وابتلي بالفقر وأما تحمل الذنوب والعذاب فالمتعرض له قوله الآتي : « أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ».
قوله تعالى : « أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى » صحف موسى التوراة ، وصحف إبراهيم. ما نزل عليه من الكتاب والجمع للإشارة إلى كثرته بكثرة أجزائه.
والتوفية تأدية الحق بتمامه وكماله ، وتوفيته عليهالسلام تأديته ما عليه من الحق في العبودية